يمكن اعتبار السنة الإدارية (سبتمبر 2018-جوان 2019) محطة سياسية في تداول الأيام قبل أن تبدأ إجازات الصيف الراهن وعلينا أن نحاسب الأنفس العربية فيما تحقق وفيما لم يتحقق فقد بدأنا نراكم ثمار هذا الموسم الحلوة والمرة ونتأمل بعيون الخبرة والدهشة انقضاء أحداثه المتلاحقة ونحن نودعه بمثل ما استقبلناه به من أمل وألم. ونسأل النفس ماذا غير هذا الموسم فينا ومن حولنا من شؤون العلاقات الدولية التي نشتغل عليها؟ وبخاصة في عالمنا العربي الذي يهمنا أمره ويرتبط به مصير عيالنا مهما ابتعدنا عنه مؤقتا ويرتبط به أيضا مصير العالم بسبب ما اندلعت فيه هذا العام من حرائق السياسة وما تفجرت خلاله من زلازل الأزمات والمحن. بدأ الموسم بأزمة خطيرة بين محور الغرب بقيادة الرئيس ترامب وإسرائيل وبعض قادة العرب الجدد في السعودية والامارات ومصر مع انقسام الأشقاء العرب واندراج بعضهم في مخططات كيدية لا تستهدف هذا أو ذاك من الفرقاء كما يبدو في الظاهر بل تستهدف فلسطين كلها حتى تتحول القضية من قضية أمة الى ما يشبه البكاء على الأندلس كما يريد غلاة الصهيونية أن تكون وهذا جوهر صفقة القرن. وانزلق بعض الفرقاء حلفاء الأمس الى اقتتال أهلي في سوريا والى حرب مدمرة في اليمن والى مؤامرة مسلحة تخريبية في ليبيا والى حصار جائر متعنت مضروب على دولة قطر الرافضة للهيمنة وبيع فلسطين. وهو ما جعل المتآمرين يهللون ويشهدون الدنيا علينا كأننا في نظرهم قبائل الماو ماو البدائية ويوصدون أبواب العون الدولي والتفهم العالمي ويؤلبون الغرب والشرق على قضيتنا العادلة في غياب الحكمة وانسحاب العقل! فورشة البحرين حولت ملف قضيتنا المشروعة من اتفاقات أوسلو و مدريد بأوهام مشروع مارشال الكاذب و حل الدولتين الى ملف صالح للأرشيف التاريخي بفضل وعد بضخ عشرين مليار دولار تدفعها طبعا دول الخليج الى....اسرائيل حتى تعيد اعمار فلسطين و تنجز طريقا سريعة بين الضفة و القطاع و الى مصر لحماية نظام السيسي و الى الأردن الرافض لكل العملية وانفجر الوضع بين ايران المستهدفة و محور اليمين الغربي بعد تفجيرات غريبة المصدر لناقلات نفط مما هدد مضيق هرمز ثم انتكس المسار المتردد بين الحرب و الحل الحواري وانتبذ كل فريق مكانا قصيا منتصرا لرؤيته و مصالحه دون أن تتقدم ملفات السلام خطوة الى الأمام. وكان هذا الانحراف هو الذي زرع الشك والشوك في طريق السلام والأمن في انتظار قبس من نور يهل علينا ربما الموسم القادم في هذا الليل الحالك. ومن جهة أخرى و في المقابل بدأ الموسم في العالم العربي بأزمة نزول الجماهير الى الشوارع في الجزائر و السودان بعد الإطاحة برئيسين أكملا مسيرة الفوضى بعد ثلث قرن من الحكم فاستبشر الناس بربيع جدي و جديد يعتبر بما صودر من ثورات و ما أجهض من أمال في بلدان الربيع العربي فاستماتت الملايين هذه المرة في الجزائر و الخرطوم من أجل إجتثاث الدولة العميقة المرتدة على طموحات الناس المشروعة و انتصر كما يبدو الطابع السلمي لهذا الربيع المطالب بالتغيير و الحريات و الكرامة و العدالة و كما توقعنا تصلبت بعض عناصر المنظومة العسكرية و تحول الربيع الى كر و فر بين عسكر و شباب ثائر رضي بأن يدفع ضريبة الدم! وقرأ كل فريق بنود الدستور بما يخدم مصالحه وتميز الوضع في الجزائر والسودان وليبيا بفراغ الحكم بعد محنة حرب الفرقاء وسط تدخل دول إقليمية وبعيدة في شؤونهم وفاز بالرئاسة الموريتانية عسكري من بيت النظام المتخلي وطغت المطامع الاسرائيلية الجائرة فحصلت على قرصنة بيت المقدس وهضبة الجولان والتخلي نهائيا عن حل الدولتين! و في اليمن كنا نعتقد بأن فداحة الحرب و أهوالها لا بد في النهاية أن تجمع الهمم و تضم الارادات حتى يتحقق السلام و لكن الحوثيين الذين استصغرهم المشاركون في حرب اليمن فاجأوا الدول الجارة المحاربة بصواريخ و طائرات موجهة بالمتفجرات لم تستطع قبة الباتريوت صيدها وفي الخليج جرت رياح السياسات الإقليمية وهبت بما لا تشتهي سفن دول الحصار حيث نجحت دولة قطر بدبلوماسية ذكية و بتعلق مستمر بالقانون الدولي و بتمسك دائم بمنظومة الحوار في البيت الخليجي في أن تتحدى الصعاب و تحقق أفضل نسب النمو و تستكمل أمنها السياسي و الغذائي و تعزز مكانتها الدولية كعنصر أساسي للسلام و الأمن مع الحلفاء و الأشقاء كما اعترف الوزير الأمريكي تيليرسون أمام الكنغرس.