بعد أن ظن كل العالم أن تنظيم داعش قد انتهى من الوجود كما انتهى من قبله تنظيم القاعدة الذي تفرع عنه حينما قررت الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ سنة 2016 وقف انتشاره في سورياوالعراق وأعطت الضوء الأخضر لحلفائها إنهاء تمدده على الأراضي التي سيطر عليها في استراتيجية عالمية لتركيع العالم العربي الإسلامي وإضعافه من داخله وإدامة تمزقه بعد اغراقه في مشكل الإرهاب الذي تم إنتاجه في مراكز المخابرات الغربية. و بعد أن اعتقد الجميع أن داعش قد انتهى ولم يعد يشكل خطرا على المجتمعات الإسلامية إثر تلقيه ضربات عسكرية موجعة من قبل التحالف الروسي التركي الأمريكي وإنهاء وجوده في العراق وإخراجه من الموصل وتحرير كل الأراضي العراقية من سيطرة عناصره .. وبعد تقليص قوته في سوريا ومحاصرته وإنهاك مقدراته العسكرية وإعلان خسارته في الرقة معقله الرئيسي .. وبعد أن أعلنت الولاياتالمتحدةالأمريكية رسميا انتصارها على هذا التنظيم الذي اتضح فيما بعد أنه صنيعتها وتراجع الحديث عنه في مختلف وسائل الإعلام ولم يعد حديث الساعة في القنوات التلفزية العالمية ، عاد في الآونة الأخيرة الحديث عن هذا التنظيم ومعه عادت وسائل الإعلام العالمية وحتى العربية في تغطية أخباره بعد أن نشر مؤخرا معهد " دراسات الحرب " وهو مؤسسة أبحاث أمريكية غير حكومية مقرها واشنطن تقريرا عن تنظيم داعش عنوانه " عودة داعش الثانية : تقييم تمرد داعش المقبل " صدر في حوالي 76 صفحة جاء فيه أن داعش اليوم أقوى بكثير من سلفه " القاعدة " حينما تم إضعافها في العراق سنة 2011 ولفت التقرير الانتباه إلى أن الضربات التي تلقاها قد أضعفته لفترة ولكنها لم تقدر أن تنهي قوته نهائيا وأن التنظيم يمتلك هيكلا تنظيما بمقدوره أن يستعيد به قوته من جديد وهذا فعلا ما يحصل اليوم حيث تقول كل المعطيات أن التنظيم بصدد استعادة قوته وسوف يعيد في وقت قصير بناء قدراته العسكرية إلى مستوى أكثر خطورة مما كان عليه في السابق وأن الضربات التي تقلقاها جعلته يتراجع لفترة حتى يوهم بأنه قد ضعف ليأخذ حيزا من الوقت لاسترجاع أنفاسه واستعادة قوته والتخطيط من جديد والإعداد للمرحلة الثانية من الحرب على العالم الاسلامي والإستراتيجية الثانية التي تنتظر العرب والمسلمين بعد أن فشلت كل السياسات الغربية في تحقيق كل الأهداف المعلنة والمخفية وفي مقدمتها التطبيع الكلي للعرب مع اسرائيل والرضوخ إلى صفقة القرن التي أرادها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب " وعد بلفور جديد" ولكن بعنوان اقتصادي تنموي ومواصلة الارتباط بمنظومة العولمة الاقتصادية التي جعلت الحكومات العربية مرتهنة في أمنها القومي في مجال الطاقة والغذاء والثقافة إلى قوى الاستعمار الجديد وإلى الأسواق الرأسمالية الاحتكارية. يشير التقرير إلى أن داعش لم ينهزم في سورياوالعراق كما أوهم بذلك الجانب الأمريكي وإنما الذي حصل هو أن التنظيم قد تعمد نقل العديد من مقاتليه وعائلاتهم من مدن الموصل العراقية والرقة السورية وغيرهما من المدن الهامة إلى مناطق أخرى وصفت بكونها مناطق الدعم القديمة والجديدة في كل من العراقوسوريا حيث تفيد التقارير الاستخبراتية أن قوة التنظيم لا تزال الى الآن منتشرة في كلا البلدين غير أنه قلص من تحركاته الواضحة والمؤثرة واكتفى ببعض المناورات الخفيفة وانهى التقرير تحليله عن عودة داعش إلى النشاط من جديد وبقوة أكثر بأن التنظيم لا يزال إلى اليوم يحتفظ بشبكة تمويل عالمية تستعمل الآن في عودته الثانية وفي استراتيجيته للتمرد الجديدة وتوظف في إعادة بناء قدراته الاعلامية التي تمثل أحد عناصر قوته إلى جانب قدراته العسكرية المتكونة من عناصر مدربة تدريبا عاليا وأسلحة متطورة وأنه استطاع في أواخر سنة 2018 من إعادة بناء القدرات الرئيسية للتنظيم وهي قدرات عسكرية سوف تمكنه من القيام بأعمال ارهابية أكثر عنفا وقوة في الأشهر القادمة. ما هو مهم في هذا التقرير هو حديثه عن معطيات مؤكدة تفيد أن تنظيم داعش استطاع أن يتخطى مخلفات الضربات العسكرية التي تلقاها على أيدي التحالف الأمريكي و استطاع الاحتفاظ بشبكة تمويله وإنفاقه وكذلك الاحتفاظ بأسلحته والكثير من عناصره وخاصة الاحتفاظ بالكثير من جيوبه في سورياوالعراق ما جعله قادرا على تجهيز عناصره من جديد والاستعداد إلى ما أسماه " النصر طويل الأمد الذي لا مفر منه " من أجل استعادة دولة الخلافة التي أعلنت الولاياتالمتحدة سنة 2017 عن سقوطها بعد تحرير كل الأراضي من سيطرة عناصره عليها واستعادتها منهم. ما هو مهم في هذا التقرير هو البحث في هذا التوقيت الذي يتم فيه الإعلان عن عودة شبح الارهاب من جديد وبضراوة أكبر وعنف أكثر بعد أن سوق الإعلام الغربي أن التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدةالامريكية قد انهى أسطورة داعش إلى الأبد إثر تحرير مدينة الرقة السورية من قبضة مسلحي التنظيم والتي كانت معقله الرئيسي .. ما هو مهم هو السؤال لماذا يعود الحديث اليوم و بهذا الشكل عن عودة الإرهاب من جديد وعن عودة تنظيمه العالمي في هذا التوقيت بالذات و العالم العربي على وقع اكراهات جديدة ومشاريع غربية لإدارة الشرق الأوسط برؤية مختلفة بعد أن فشل المخطط الأمريكي الأول بالقضاء على خط المقاومة الذي بقى صامدا حتى الآن رغم كل محاولات اضعافه وإنهائه فعودة داعش ومن ورائه عودة الارهاب في شكل أعنف من سابقه ليس حديثا عفويا وإنما هو حديث مخطط له ومبرمج له بكل أحكام في سياسة عالمية لإكمال العمل الذي بدأت فيه أمريكا منذ سنة 2004 حينما نبه الجنرال " كولن باول " إلى ضرورة تخلي أمريكا عن سياسة التدخل العسكري المباشر لفرض الديمقراطية في العالم العربي وإبدالها بسياسة أخرى تقوم على فكرة الانهاك من الداخل من خلال فرض معركة دينية داخل الجسم الإسلامي الواحد تكون التنظيمات الارهابية هي وقودها والشباب المسلم القادم من دول الغرب قبل دول العرب حطبها وجعل العالم العربي ينهك نفسه بنفسه دون حاجة إلى المجازفة بالقوات الأمريكية.