كان لجمهور مهرجان بنزرت في سهرة السبت 13 جويلية 2019 موعدا مع أوّل عرض مسرحي من نوع " الوان مان شو " بعنوان " ولد اشكون " للممثلة الكبيرة جميلة الشيحي أداء و كتابة للأستاذ أنس بن مالك و اخراجا لغازي الزغباني و كان بالفعل من العروض المسرحية الجيدة و المرآة التي عكست هموم هذا الوطن على كل المستويات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الأخلاقية و القيمية حتى لا نقول مرآة عكست بكل حرفية ما نعيشه من مرارة و مأساة إلى درجة و أن المواطن أصبح " يبقبق " و من خلاله كل الشعب هو أيضا " يبقبق " من خلال قصة امرأة حامل و لا تدري من هو الوالد الحقيقي لابنها المنتظر و ما التساؤل هذا " ولد اشكون " إلاّ حمّالا للعديد من نقاط الاستفهام حول مستقبل وطننا على كل الصعد؟ " ولد اشكون " عكس وضعنا كما هو بقذارته و زيفه و انتهازيته و عقلية الغنيمة و التفكير بالنصف الأسفل و اللهفة و الجنس و حبّ المادة حتى لا نقول وضعت هذه المسرحية تحت المجهر كل أمراضنا و عيوبنا في محاولة لتشخيصها و فهمها ثمّ محاولة ترتيب الأولويات قصد اصلاح ما أفسده الدهر و بالتالي يبدو و أن الوضع المتردي الذي نعيشة صورته المسرحية ك " حظيرة أشغال " كبيرة و لا أحد يعرف الخروج منها و تباعا لذلك كان الوضع السياسي للبلاد حاضرا بكل تجلياته تمليحا و تصريحا فحضر السبسي و حافظ و يوسف عبر اللعب بالكلمات و الألفاظ و حضرت تقريبا كل التيارات و المشارب السياسية من الرفيق إلى أبي خزامة و الأخت حورية و ليلي و سي الفاضل و غيرها من الأسماء الرموز و بطلة المسرحية تتقلب في أدوارها لتعيش حقيقة كلّ تيار و لون سياسي و هي تبحث عن مكان و وطن يحلو فيه العيش لوليدها المنتظر إلى درجة أنّها قبلت تغيير شكلها لباسا – فلبست الخمار و الجلباب – و لكن اكتشفته و أن ذلك غير ضامن لمهد مريح لإبنها المنتظر في ظلّ ما اكتشفته من " خنّار" في هذا الاتجاه خوفا من ختانها أو تسفيرها لمناطق جهاد النكاح فحوّلت الوجهة نحو اليسار فكانت الخمرة و المجنون و الكلام الفضفاض سيد الموقف بدون فعل حقيقي لتثور على كل ذلك و تعود للحضن الحقيقي للوطن المحب للسلام و الاستقرار و المحب للعيش و الحياة بالاعتماد على نفسها بعيدا عن كل هذه البؤر السياسية الفاسدة و الانتهازية و المتاجرة حتى بحياة البشر و شمّرت على ساعد العمل لتضمن مستقبل ابنها القادم بعد أن نزعت عنها كلّ الأقنعة الأخرى و المظاهر الزائفة و الخداعة. مع الإشارة و أنّ الممثلة جميلة الشيحي رغم أنّها أوّل تجربة في هذا النوع من المسرح فقد صالت و جالت على ركح مسرح الهواء الطلق ببنزرت طيلة ساعة و ربع ساعة متواصلة، فأدت دورها أداء محكما بصفر من الأخطاء الفنّية على كل المستويات و شدّت الجمهور الذي أضحكته و لكنها في الآن نفسه أوجعته لأنّها عكست واقعه المرّ بل نقول و أنّ " وان مان شو " جميلة الشيحي قطعت مع البذاءة و التهريج و الانتهازية التجارية لتقدم لنا عملا محترما بعيدا عن فكرة كون المسرح " أقراص هضم لما تنون به معدات المتخمين " و لكنها قدمت المعنى الحقيقي للمسرح بكونه " عملا ثوريا أو لا يكون " بدون اهمال الجانب الترفيهي الذي يبحث عنه المتلقى.عموما... لنهمس في النهاية إلى الممثلة جميلة الشيحي بالقول " لا تتأثري بالعدد المتوسط الذي تابع المسرحية و هو في حدود 3 آلاف متفرجا بل واصلي فأنت على الطريق الصحيح و لا تعبئي للمهرجين الذين تتابعهم الآلاف فواحد كألف و ألف كأف و لا يفوتنا أن نشكر هيئة المهرجان على حسن خيارها لهذا العمل المسرحي الجادّ و نشد على أياديها من أجل مواصلة المشوار رغم كيد الكائدين.