كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن الإرهاب وعن مخاطر التطرف الديني الذي بلغ أوجه بعد اندلاع ثورات الربيع العربي وتعددت التحاليل لفهم الظاهرة الارهابية والأسباب المؤدية إلى التطرف والمداخل المتعددة التي تجعل الإنسان العادي يصبح في لحظة من الزمن متطرفا والدواعي التي تحوله إلى إرهابي عنيف التدين فظهرت عدة مقاربات لفهم ظاهرة الإرهاب منها ما يركز على البعد الاقتصادي وعلى تخلف استحقاقات التنمية وفقدان فرص العمل وغياب التشغيل وعدم توفر أبسط مقومات الحياة الكريمة في الأحياء الشعبية التي يشعر أفرادها بأنهم مهمشون وبأن الدولة لا تفعل من أجلهم شيئا .. ومنها ما يركز على البعد السياسي وغياب مناخ الحريات والديمقراطية وتحكم الاستبداد في الحياة السياسية ما يدفع الأفراد إلى التطرف والخروج عن السلطة بتبني خيار الارهاب لتغيير الحكم .. ومنها ما يركز على الجانب الديني المفضي إلى التطرف الذي يجعل من الفرد العادي متشددا وهذه المقاربة تعتبر الظاهرة الارهابية هي في الأصل ظاهرة دينية ودوافعها دينية من خلال تبني فهم للدين وتفسير يجعل منه دينا عنيفا يدعو إلى القتل والتخويف وترهيب الناس لحملهم قسرا على تبني تدين عنيف وتقديمه للناس على أنه هو الفهم الصحيح والوحيد للدين .. ومنها ما يراهن على المقاربة التربوية والتعليمية المتسببة في تنامي ظاهرة الارهاب فالمنظومة التعليمية في الوطن العربي حسب البعض لم تقدر برامجها ومقرراتها ومناهجها على تحصين الكثير من الشباب من التطرف وأن تحميهم من استمالة الجماعات الارهابية لهم بما يعني أنه لدينا مشكلة كبرى في مدارسنا التي عجزت في الكثير من الحالات أن تقاوم الارهاب .. ومنها ما أعتمد على التفكك الأسري وفقدان الامان داخل البيت وتصدع العلاقة بين الأبوين ليجعل من الابناء فريسة سهلة لاستقطاب الجماعات الدينية المتطرفة التي تعدهم بتوفير وضع عائلي مختلف داخل الجماعة وضمن التنظيم ليصبح هذا الأخير هو أسرته الحاضنة وأفراد الجماعة هم اخوته الحماة .. هذه بعض المقاربات التي تقدم تفسيرا معقولا للظاهرة الارهابية وتحاول أن تقدم الاجابة عن سؤال كيف يمكن أن يتحول الإنسان العادي إلى منحرف ؟ ولكن رغم وجاهة هذه التحاليل التي تحولت إلى نوع من الثوابت والقوالب الجاهزة التي يفسر بها البعض تحول بعض الناس من الوضع العادي إلى وضع التطرف قبل يصبحوا ارهابيين فإن بعض القصص عن اشخاص عاشوا نفس التجربة الانسانية وتعرضوا إلى نفس الأوضاع الاجتماعية والنفسية ولكن وضعهم هذا لم يجعلهم يتحولون إلى إرهابيين ولم يجرفهم تيار الإجرام إليه ولم يجعلهم يختارون الحلول الفردية في حل مشاكلهم من خلال التفكير في الهجرة السرية ومغادرة البلاد بطرق غير شرعية بحثا عن الجنة الموعودة التي يحلمون أن يجدوها في بلدان ما وراء البحار أو الارتماء في أحضان المخدرات لنسيان مأساتهم وإلهاء أنفسهم بالعيش في عالم خيالي وهمي نهايته الموت .. من هذه القصص التي تستحق أن ننشرها وأن نتحدث عنها ونروجها في إعلامنا ما حصل للاعب الجزائري " أندي ديلور " الذي غير اسمه إلى محمد بعد أن اشهر إسلامه وحكاية هذا اللاعب مثيرة للغاية حيث تقول المعطيات الموفرة عنه أنه ولد في فرنسا سنة 1991 من أم جزائرية وأب غجري من بلد المكسيك و عاش طفولة قاسية جدا عرف فيها معاملة سيئة من والده الذي كان يضربه ويعتدي على والدته بالعنف الشديد حتى وصل الأمر بهذا الوالد المدمن على تناول المخدرات إلى محاولة قتله وهو طفل صغير غير أنه تمكن من الهروب هو وأمه ليعيشا الاثنان ظروفا اجتماعية قاسية جدا اضطرته إلى أن يشتغل مهرجا في قطارات باريس لتسلية المسافرين ولكن قسوة الظروف التي وجد نفسه فيها وصعوبة العيش التي كبلته وتفاقم المشاكل وخاصة مشاكل توفير لقمة العيش لم تجعل من هذا الشاب مجرما أو منحرفا مدمنا على المخدرات ولم تجعله ينقم من المجتمع الذي لم يساعده على مجابهة الصعاب وإنما كل هذه الظروف القاسية التي عاشها جعلته يحولها إلى عناصر قوة ونقاط اجابية لتغيير حاله وحال أمه نحو الافضل فبعد العمل في ميدان التهريج انتمى إلى فريق مونبليي الفرنسي لكرة القدم وهناك برزت مواهبه الكروية ليصبح لاعبا محترما ومن خلال الرياضة استطاع أن يغير من وضع عائلته الصغيرة ولما علم أن أمه جزائرية وأنه بمقدوره أن يتحصل على الجنسية الجزائرية لم يتردد في تقديم طلب في ذلك وبقى على تواصل مع المدرب الجزائري ليقنعه بالموافقة على انضمامه إلى المنتخب الجزائري وبقى الأمر على ذلك الحال إلى أن حصلت القطيعة مع اللاعب " هاريس بلقبلة " التي علقت به فضيحة أخلاقية ويتم طرده من الفريق الوطني ليتم عندها دعوة " محمد ديلور " للانضمام إلى الفريق وهناك أعلن إسلامه وغير اسمه من " أندي " إلى محمد. لقد تعمدنا تناول جانب من قصة هذا اللاعب الجزائري وتقديم جزء بسيط من سيرته للقول بأنه ليس دوما وراء الارهاب وضعا اجتماعيا صعبا وليس صحيحا كذلك أن الظروف النفسية والتربوية والأسرية قد تجعل من الفرد متطرفا وتحكم عليه أن يختار طريق الاجرام والانحراف والإرهاب وليس صحيحا أن الظاهرة الارهابية هي دوما ظاهرة وراؤها تخلف برامج التنمية في المناطق المهمشة فمحمد ديلور عاش طفولة صعبة وعاش ظروفا عسيرة في شبابه وتعرض إلى التفكك الأسري الحاد وناله نصيب من الفقر والخصاصة ولكن كل ذلك لم يجعل منه فردا عنيفا أو إنسانا متطرفا أو مجرما وإنما الذي حصل أن كل الاكراهات الذي عاشها قد حولها إلى عناصر قوة دفعته إلى التفكير في طريق آخر لتحسين وضعه ووضع أمه .. هذه قصة شاب تعرض إلى صعوبات مختلفة عادة ما يفسر بها المختصون في الظاهرة الارهابية كيف يصبح الإنسان العادي متطرفا ولكن في حالة هذا الجزائري فإن هذه الصعوبات قد جعلت منه فردا صالحا عرف كيف يتجنب الوقوع في شتى حالات الانحراف ويتجاوز الحلول التقليدية السهلة التي عادة ما يختارها شباب آخرون تعرضوا إلى نفس وضعيته .