وجدت نفسي هذه الايام معتكفا بجنان الحمامات مع مجموعة من المصطافين الذين لزموا ببيوتهم مثلي بعدما حرمنا كلنا من النادي البحري الذي اشترينا على أساسه مساكننا الصيفية. لقد تعمد الباعث العقاري بعد شرائنا لتلك المساكن بالثمن المحدد منه وبعدما التزم لنا بكراس شروط انخرطنا فيه جماعيا، الا انه أخل بتعهده وباع ذلك النادي البحري لاحد الخواص النافذين الذي حوّله بعدما هدم كل ما كان يحتوي عليه من مسبح وأدواش ومطعم راق واُخر شعبي ومقهى وفضاء عام متنوع الأغراض خاص بالمتساكنين، كل ذلك ليقيم عليه مسكنا فخما خاصا به، وليحرم نحو ألفين من المصطافين، لقد تعمدت بلدية المكان مخالفة التراتيب الادارية وكراس الشروط بتواطيء مع نقابة المتساكنين تحت إكراه من كانوا في السلطة من السابقين؟ بقينا على ذلك الحال منذ أكثر من عشر سنين نمر للبحر بالقرب من تلك الأطلال بعدما توقف البناء فيها بسبب اعتراض الأجوار والمتضررين، وبات الحال مقلقا للمصطافين عامة وللأجوار خاصة الذين حرموا من رؤية البحر الذي على أساسه بذلوا مدخرات العمر فيها. كتبت في السنة الماضية في هذا الركن تحت عنوان مماثل، ولكنه لم تتحرك شعرة للمعنيين، وكأن الامر لا يعنيهم، وبقي كل منا معتكفا في بيته لا يزور ولا يُزار الى هذا الحين، خاصة وزادنا في السنة الحالية قيام صاحب الفضاء التجاري بالحي غلقه لأسباب ربحية حرمت السكان من قضاء حوائجهم الضرورية، وبتنا من وقتها نستعمل سياراتنا الخصوصية لاقتناء خبزة ثمنها أقل من مائتي مليم أو قنينة ماء معدنية نروي بها عطشنا بإضعاف ثمنها بنزينا! تلك هي حالنا التي تتشابه مع حال أمثالنا الذين فروا من الحر والعزلة لتلك الفضاءات فوجدوا أنفسهم ببيوتهم تلك مسجونين. قلت لعلها حالة خاصة بي ولكنني كلما سألت الآخرين وجدت حالهم مثل حالي، وبتنا كلنا في عزلة نترقب رحمة من رب العالمين؟ كنت أتصور لما اشتريت مسكنا ثانويا لأقضي الصيف فيه لأستريح من عناء العمل وضوضاء المدينة، بعدما استحال العيش فيها صيفا وصعب التنقل لازدحام حركة المرور فيها، ولكنني تحققت بأننا لم نخرج من الحالة التي بات عليها أغلب التونسيين. كنت من بين الذين شجعوا على إحداث نقابة للمالكين في فضاء جنان الحمامات الذي أكتب عنه للمرة الثانية، وكنت تحملت المسؤولية في نقابة المالكين في السنين الاولى مع مجموعة من الخيرين، ولكن ذلك لم يستمر طويلا، وعادت بعدها حليمة لعادتها القديمة… ولأن الطبع يغلب التطبع، وبدأ أغلب المنخرطين يتعمدون إهمال دفع ما عليهم من مساهمات لتسديد الخدمات المشتركة الضرورية التي اخذت تتقلص تدريجيا، ولم يبق منها الا الحراسة الليلية شتاء والعناية بالشاطئ صيفا وعدم الالتفات للوسائل الترفيهية وخاصة فضاءات للالتقاء مساء وتوفير النشاطات الرياضية للأبناء في الملاعب الموجودة داخل المجموعة التي بقيت مهملة لا يرتادها احد من المصطافين. وأتذكر بالمناسبة بانني قبل انتقالي لذلك الحي الجديد نسبيا كنت اقضي الصيف في فضاء ديار الحمامات المقابل له وكان به نادي البحر المتوسط الذي أدمجونا فيه، وكنا نلتقي كل مساء نحن التونسيون لنلعب الورق مع بعضنا الى ساعة متأخرة من الليل، ونتبادل أطراف الحديث فيما يعنينا وما لا يعنينا. لذلك رأت اعادة الكتابة عن تلك القضية علها تجد في غيرنا من أبنائنا وأحفادنا من يتعظ مستقبلا ويتجنب الأنانية. الحمامات في 6 أوت 2019