من مقر اقامتي الوقتية بجنان الحمامات التي حدثتكم عنها سابقا تفرغت في هذه الايام وتمتعت بقراءة البعض من مجموعة العبقريات الاسلامية لعباس محمود العقاد المجمعة في مجلدات عدة كنت اقتنيتها منذ سنين دون ان اجد لها الفرصة التي حانت، وبدأتها بما جاء عن خلفاء رسول الله رضي الله عنهم اجمعين، وما احاط بتلك الفترة الاولى من تحولات لإنشاء الدولة الاسلامية بعدما انتقل سيدنا رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام الى الرفيق الأعلى بدون ان يوصي لاحد من بعده بالخلافة او الحكم بما انزل الله. لكنه في الاثناء شوشت عليَّ حملة الترشحات التي جدت بعد وفاة الرئيس الباجي عليه رحمه الله، وكانت سببا لافتتاح باب الترشح لتعويضه في آجال محددة دستوريا وفِي نطاق التداول السلمي على السلطة الذي بتنا نفتخر به امام الأصدقاء والاعداء. بالفعل اجاز الفصل 74 من الدستور لكل ناخبة او ناخب تونسي الجنسية منذ الولادة ودينه الاسلام وان يكون وقتها بالغا من العمر 35 سنة بعد حصوله على تزكية من عدد من النواب او الناخبين مطلقا كما جاء بالقانون الانتخابي المعمول به الان. لذلك رأينا كل من هب ودب يتجرأ على الموقع الذي أراده المشرع ان يكون ساميا، ويرفع صاحبه الى درجة استثنائية عالية تمكنه خاصة، بان يكون حكَما ومؤتمنا على حماية الدستور اولا ورعاية كل المواطنين والسكان بدون تمييز او استثناء وخاصة في ارواحهم وأعراضهم وأموالهم، وله زيادة على ذلك التعهد بالمحافظة على سلامة الوطن واستقلاله، كما له فرض حالة الطوارئ واعلان الحرب وإمضاء السلم، وقبول المبعوثين الخاصين للدول الصديقة واعتماد سفراء تونس عندها، والعفو الخاص عن المحكوم عليهم بالإعدام والتخفيف من الاحكام الصادرة بعد استيفاء كل طرق الطعن الأخرى المتاحة، وغير ذلك… تعجبت مما وقع وقلت في نفسي كيف أهمل المشرع عندنا ترك تلك الخطة مهملة، ولم يحدد لها مواصفات دنيا تعتمد لتحملها، واقلها الدرجة العلمية الواجبة وسنوات التجربة في المجال العام ونقاوة السوابق وبراءة الذمة المالية عند الاقتضاء؟ تذكرت بالمنسبة الوثائق التي تطلب عادة لمن يترشح لأبسط الوظائف في الدولة، ولا يقبل ملفه الا اذا اشتمل على اكثر مما ذكرته سابقا. نعم اعترف باني كنت مع من تحمسوا للتحوير الذي كان سيدخل على القانون الانتخابي في الايام القريبة السالفة، وفضلت ان يختم وينشر، ويعتمد، بالرغم مما اثير حوله اخلاقيا بحجة أنه كان متأخرا وقبل الانتخابات المحدد دستوريا باقل من سنة، ولكنه في كل الاحوال كان متجاوبا مع الدستور والقانون وأحسن مما ذهب اليه بعض المتفقهين تبعة الغير من غيرنا بحجة انه نوع من الإقصاء. واضيف بالمناسبة بانه خاطبني في الاثناء احد المترشحين صدفة وهو الفنان التشكيلي عبد الحميد عمار بعدما تجرا وقدم ترشحه الذي اثار استغرابا لأنه في نظرنا لم يكن مؤهلا لذلك المنصب. وحيث ازعم أني من بين من ساندوه في فنه أدبياً وماديا في بعض الاحيان منذ ثمانيات القرن الماضي الى الان، وهو مازال يستشيرني فيما يعترضه من صعاب. فقد لمته عما فعل لما قدَّم ترشحه بدون ان يستشير أحدا، وطلبت منه التعجيل بسحب ملفه في الحال، والاعتذار عما بدر منه عن حسن نية، وذلك في مصلحته ومصلحة الخطة التي علينا حمايتها وليس تشليكها والسلام الحمامات في 8 أوت 2019