تحتفل تونس هذه الايام بالذكرى 63 لصدور مجلة الاحوال الشخصية التي تعد مفخرة البلاد ومفخرة المرأة التونسية وكذلك مفخرة دولة الاستقلال التي حققت على مدار سنوات طويلة الكثير من المكاسب لفائدة المرأة دعمت بها مكانتها في المجتمع وطورت بفضلها وضعها الاجتماعي لتحقيق مطلب المساواة مع الرجل الذي كان حلم الرئيس الحبيب بورقيبة وحلم كل المصلحين من قبله بدءا من عبد العزيز الثعالبي ووصولا إلى الطاهر الحداد ورهان كل من جاء من بعده وآخرهم كان الراحل الباجي قائد السبسي الذي قدم قبل وفاته مبادرة تشريعية لتحقيق المساواة في الإرث بين الجنسين عرفت بعض التعثر بسبب الاختلاف الحاد حولها أراد من خلالها استئناف نهج الاصلاح الاجتماعي الذي بدأ فيه بورقيبة ولم يكمله . غير أن الاحتفال بمجلة المرأة في عيدها السنوي هذه المرة قد تزامن مع تقديم معطيات تعكس صورة سيئة عن وضع المرأة التونسية بعد أكثر من خمسين سنة من الحداثة وأكثر من خمسة عقود من إصدار المئات من التشريعات التي تعمل على منحها المزيد من الحقوق من أجل القطع مع كل الوضعيات المتخلفة التي تعيدنا الى وضع المرأة قبل الاستقلال حيث أعلنت وزيرة المرأة الأسرة والطفولة وكبار السن السيدة نزيهة العبيدي في حوار أجرته على اذاعة " اكسبراس أف أم " بمناسبة عيد المرأة أن وضع المرأة التونسية اليوم رغم كل التشريعات والقرارات السياسية التي اتخذت لفائدتها على مدار سنوات طويلة ليس بالوضع المطمئن خاصة فيما يتعلق بالعنف المسلط عليها من جهات متعددة وخاصة العنف السياسي الذي يمارسه السياسيون بتوظيف المرأة في أحزابهم وقوائمهم وحملاتهم الانتخابية حيث لاحظنا كيف أن حضور المرأة في العمل السياسي لا يتجاوز مجرد كونها ديكورا ودوره في الكثير من الحالات لا يتجاوز عملية تلميع صورة الحزب لا غير في حين نلمس غيابا كبيرا للمرأة في مواقع القرار السياسي داخل الأحزاب وغياب آخر من المواقع المتقدمة في العمل الحزبي ليتم الاكتفاء بحضور المراة في موضوع التناصف والتعبئة الجماهيرية وما يحصل للمرأة من تهميش وتوظيف سياسي داخل الاحزاب بمختلف توجهاتها هو من قبيل العنف السياسي التي تتعرض له المرأة . وتضيف السيدة الوزيرة فتقول : إذا كان العنف السياسي المسلط من قبل الأحزاب السياسية ينضوي تحت مفهوم العنف الرمزي ويمكن تجاوزه إلا ان المرأة التونسية لا تزال إلى اليوم عرضة إلى عنف أخطر منه يتعلق بما تتعرض له يوميا من عنف جسدي من قبل الرجل سواء كان زوجا أو أبا أو أخا أو في مواقع العمل وفي الفضاء العام حيث سجلت وزارة المرأة خلال سنة 2019 حصول اكثر من 40 ألف حالة عنف مادي تعرضت لها المرأة من قبل زوجها فقط بما يعني أن هناك حالات أخرى للعنف المادي لم يتم الاعلان عنها يكون وراءها أحد الاقارب أو ما قد تتعرض له في فضاءات أخرى غير الفضاء العائلي وهذا الرقم الذي نعتبره مفزعا ما كان لنا أن نتوصل إليه لولا ما لمسناه من تعاون كبير من قبل وزارة الداخلية التي سمحت بعد إبرام اتفاق تعاون معها بفتح 120 مكتب في مختلف ولايات الجمهورية مهمتها تلقي شكاوى النساء ضحايا العنف المسلط عليهن حيث لوحظ أن العديد من مراكز الأمن لا تأخذ مأخذ الجد الشكاوى التي تتقدم بها المرأة بعد تعرضها إلى اعتداء بالعنف من قبل الزوج ليتم حفظ أقوالها و ثنيها عن الشكوى أو تخويفها من مغيبة سلوكها وتأثيره على استقرار الأسرة وخاصة على وضعها الاجتماعي لنجد أنفسنا أمام وضعية للمرأة المعنفة تغيب عنها الاحصائيات الدقيقة ولكن اليوم وبفضل هذه المكاتب التي تم فتحها بالتنسيق مع وزار الداخلية أمكن لنا الحصول على معطيات دقيقة عن وضع المرأة المعتدى عليها ضحية عنف الرجل وعن حالات العنف المادي داخل الأسرة. تعتبر السيدة نزيهة العبيدي أن هذا الرقم عن حالات العنف المادي الذي تعرضت له المرأة التونسية بمختلف شرائحها الاجتماعية والعمرية خلال سنة 2019 هو رقم مخيف ومفزع يعطي فكرة واضحة عن الحالة التي وصلت إليها المرأة التونسية خاصة إذا علمنا أنه رقم يخص العنف المسلط من قبل الزوج فقط بما يعطى صورة عن حالة بعض أسرنا وصورة عن الطريقة التي يتم بها حل الخلافات أو المشاكل الزوجية التي في أغلب الاحوال تكون فيها وسيلة العلاج هي العنف المادي والاعتداء بالضرب إلى جانب العنف المعنوي الذي يستعمل فيه كل أنواع الشتم والسب والإهانة والتعيير. لقد تعمدنا التوقف قليلا مع المعطيات التي قدمتها السيدة وزيرة المرأة مؤخرا حول ما تتعرض له المرأة التونسية من اعتداءات بالعنف من قبل زوجها كما تعمدنا أن نهتم بهذه التصريحات وأن لا نجعلها تمر مر الكرام لاعتقادنا أنها معلومات خطيرة للغاية خاصة وأنها قد تزامنت مع الاحتفال بعيد المرأة والاحتفاء بصدور مجلة الأحوال الشخصية التي نفتخر أنها حققت للمرأة التونسية الكثير من المكاسب والحقوق ولكن مع ذلك بعرف وضعها اليوم الكثير من المخاطر والتهديدات أبرزها ما تتعرض له من عنف مادي على يد زوجها وهي قضية خطيرة لأنها تعكس الثقافة السائدة في المجتمع وتعكس الثقافة التي تحكم العلاقات بين الأفراد وخاصة فيما يخص استعمال العنف لفض الخلافات داخل البيت وتعكس موضوعا أكبر وهو موضوع العنف المجتمعي الذي توسعت دائرته ليصبح ظاهرة تهدد كل المجتمع وتهدد أساسا العلاقات الأسرية التي بات يحكمها استعمال الضرب الشديد والعنف المادي الأمر الذي يستدعي أن يهتم بها الجميع إذ من غير المستساغ أن تتعرض امرأة الحداد إلى هذا الكم الكبير من العنف المادي ومن غير المقبول أن يتواصل استعمال العنف ضد الانسانة التي كرمها الإسلام بنتا وأختا وأما وزوجة ومواطنة .. فرقم 40 ألف اعتداء بالعنف المادي تم تسجيله ضد المرأة من قبل زوجها فقط هو رقم مفزع في عيد المرأة لا يشرف الدولة التونسية.