صدَرَ حديثا عن دار ديار للنشر والتوزيع في تونس وضمن سلسلة "نقد ثقافي" كتاب "الأنتلجنسيا التونسية بين تاريخ الأحقاد ودولة الفساد"للكاتب التونسي الكبير الدكتور مصطفى الكيلاني.بغلاف للفنان السوري "رامي شعبو". وضمّ الكتاب في 178صفحة قياس 15/21سم، بين المقدمة والخاتمة سبعة فصول هي على التوالي: - الفَصْل الأَوّل: تارِيخ غائِب أَوْ شِبْه مُغَيّب للأَنتلجنسيَا في تُونس، لِمَاذَا؟. - الفَصْل الثَانِي: المُتَكرّر في تاريخ الثَقافة التُونسيّة، مَشارِيع الإصلاح الفاشِلَة أو المُفشّلة . - الفَصْل الثَالث: المُثقّف التُونسيّ وَالصِفة النَمَطِيَّة، مِن عَبْد الرَحْمن بن خلدُون إلى الخلدُونِييّن الجُدد. - الفَصْل الرَابع: أَنتلجنسِيَا تُونسيّة جَدِيدة ناشِئَة في ثَلاثِينات القَرْن الماضِي وأَرْبَعِيناته . - الفَصْل الخَامس: مُثَقّفُو السُلطَة وَمُثقّفُو المُعارَضة (مِن خَمْسِينات القَرْن الماضِي إلى مُوَفَّى ثَمانِيناته). - الفَصْل السَادس: الأَنتلجنسيَا التُونسيّة واهتِزاز المَرْجَعِيّات (مِن مُوَفَّى ثَمانِينات القَرْن الماضِي إلى 14 جانفي 2011م) . - الفَصْل السَابع: مَشهد الثَقافة وَالمُثقّف المُلْتَبِس، مِن 14 جانفي 2011م إلى اليَوْم. وجاء في المقدمة: "قَدْ يَذهب البَحْثُ في الثقافة وَالمُثقّفِين بِتُونس مَذْهبًا تفصِيلِيًّا يَعتمد وَثائق الأرشيف. وهذا العَمل هُو للمُختصِّين مِن المُؤرّخين وَعُلماء الاجتماع الثقافِيّ. إلَّا أنّ أيدي العابثين تسلّلتْ إلى عَدَد كثير مِن الوثائق المذكورة، كَمُثّقّفين اضطلعُوا بِمهامّ في إدارة شُؤون الحُكم على امتداد تاريخ الدَوْلة التُونسِيَّة، مُنذ عهد البايات إلى اليَوْم وتعمّدُوا إتلاف ما قد يُدِينهم بعد رَحِيلهم. أمّا المُتبَقِّي من الوقائع والحقائق فَهْو شَفَوِيّ تداوَلتْه الألْسِنَةُ والبعض الكثير منه طَواه النِسْيان. حالةٌ نادرة مُوَثّقة بِخُصوص عَدَد مِن المُثقّفين والإعلاميّين ذَكرهُمْ ما سُمِّي "الكِتاب الأَسْود" في أَعْوام حُكم الرئيس مُنصف المرزوقي (2012- 2014). إلّا أنّ هذا الكِتاب مطعُونٌ في مِصداقِيَّته لدى عَدَد كَثير مِن المُثقّفين والإعلامِيّين والسِياسِيّين لاعتقاد البعض منهم في أنّه لا يَسْعى إلى الحقيقة بَلْ إلى تَصْفِيَة الحِسابات بِعقليّة انتقامِيَّة بدلا عن إنماء ذاكرة ثقافِيَّة وطنِيَّة تُفيد الباحِثين والأجيال القادمة بُغْيَةَ الاستذكار والاعتبار. أمّا المُثقّفُون المُعارضون الّذِين تعرّضُوا في تاريخ الدَوْلة الوطنِيَّة لِمُختلف أنواع القَمْع المادِّيّ والمعنوِيّ فَالقليل منهم كَتَبُوا سِيَرهم الذاتِيَّة، وَشهاداتُهم ظلّتْ في أغلبها شَفَوِيَّة إلى اليَوْم. ولعلّ بعض الأدِلّة على ما كان من قمعهم مُتضمَّنَة في أَرْشيف البُوليس السِياسِيّ السِرّيّ، والبعض الكثير مِنْها أُتْلِف في الأيَّام الأُولى بعد 14 جانفي 2011. وَإذَا تاريخ الثقافة وَالمُثقّف هُو، لا شكّ، بَعْضٌ مِن تاريخ السِياسَة الحاكِمَة، ذلك أنّه لا تفريق بَيْن مَوْضُوع الحُرِّيَّات المُصَادَرَة والفساد المُسْتشري في مُؤسّسات الدَوْلة والحِزب الحاكم بِمُختلف أشكاله وأساليبه وَبَيْن أوضاع الثقافة والمُثقّفِين خِلال الحِقبة الاستعمارِيَّة وَفِي زمن الحُكم البُورقيبِيّ ثُمّ الحُكم النُوفمبرِيّ (نِسْبَةً إلى انقِلاب 7 نُوفمبر 1987). إنّ صُعوبةً أُخرى تعترض سبيل الباحث في الثقافة والمُثقّف بِتُونس، وهي التِباس عَدَد مِن المَواقف، كَمُعارضِين في الحِقبة البُورقِيبِيَّة أَضحَوْا مُناصرِين لِنظام الحُكم أثناء الحِقبة النُوفمبرِيَّة، فَتحوَّلُوا مِن "ضَحايَا" إلى "جَلّادِين"، مِثل عَدَد مِن المُثقّفين اليَسارِيّين تَولّوا مَهامّ حِزبِيَّة وإدارِيَّة في المُؤسّسَتَيْن الثقافِيَّة والإعلامِيَّة خاصّةً، وَتَحوّلُوا إلى أَدَوات للمُراقبة وَمُصادرة الحُرِّيَّات. فَكَيْفَ نُؤرّخ، إذن، للذاكرة الثقافِيّة في تُونس بالقضايا الكُبرى مع عَدَد مِن الأحداث التارِيخِيَّة الدالّة عليْها، لَيْس بالقَصْد التأريخِيّ فَحَسْب، وإنّما بالدافع التأصِيلِيّ المعرفِيّ الّذِي يُرادُ به إضاءة عِدّة مَواطن مُعتمة في واقع المُثقّف والثقافة بِتُونس؟ وهل بالإمكان التأسيس لِأفكار وَمُخطّطات وبرامج عَمَل جديدة بِدُون فهم دقيق لِعَميق الحياة الثقافِيَّة ومُختلف مُعوّقاتها وَقُوَى نَبْذها وَجْذبها، اندِفاعِها وارتدادِها؟ وَما هِي أنماط الثقافة وأنواع المُثقّفين في تُونس مُنذ المُنتصَف الثانِي من القرن التاسع عَشر إلى اليَوْم؟ وأبرز الأفكار المُتغالِبة في هذا المَسارّ العامّ، وأهمّ أَسْماء مُنْتجيها والمُدافعين عنها؟ وَما هِي مَواقعهم في دائرة التجاذُب القائم بَيْن السُلطة الرَسمِيَّة الحاكِمة ومُعارضيها وَبَيْن العمل الفِكرِيّ والإبداعِيّ استقلالا وانفرادا في الهامش؟ إنّ للثقافة وَالمُثقّف دلالة قِطاعِيَّة تبعًا لِمُختلِف أَلْوان العَمل الفِكرِيّ والإبداع الفَنِّيّ، ودلالة إستراتِيجِيَّة مَرْجعيَّة تتجاوز الأداءَ القِطاعِيّ إلى ثقافة المُجتمع وَمُجمل القِيَم الثقافِيَّة المَرجعيّة بِمَا يَصِل ولا يُفارق بَيْن الذاكرة الثقافِيّة الخاصّة والذاكرة الوَطنِيَّة العامّة. فَمَا مَوْقع الثَقافة والمُثقّف وَدَوْرهما في حياة المُجْتمع وَالدَوْلة بِتُونس عَبْر مَسارّها التارِيخيّ العامّ،مِن المُنتصف الثانِي لِلقَرْن التاسع عشر إلى اليَوْم: الثقافة وَالمُثقّف في زَمَن الدَوْلة المخزنِيَّة (حُكم البَايَات) وُصُولًا إلى العَهْد الاستعمارِيّ الفرنسِيّ، وفي طَوْر الحُكم البُورقِيبِيّ ثُمّ النُوفمبرِيّ، وَمَا بَعْد 14 جانفي 2011 إلى اليَوْم؟ وَمَا مَدَى تَأثير الثقافة وَالمُثقّف في التَحوّلات المُجْتمعيّة الكُبرى؟ وَكَيْف أَثّرت السِياسات الحاكِمة في الثقافة وَالمُثقّف عَبْر مُختَلِف المَرَاحل التارِيخِيَّة المَذكُورة؟" ونقتطف من أحد فصول الكتاب: "إنَّ مُختَصر ما يَحْدث في واقع الثَقافة التُونسيّة هذه الأَيّام هُو اشتِغال آلَتَيْن بتَسْيير واحد مُشترك، تقريبا، وفي اتِّصالٍ وَثِيق بِمَا يَشهدهُ واقع السِياسَة والإعلام: آلَة الأَحقاد وآلة الفَساد. أَمَّا آلَة الأحقاد فَحَرَكَة اشتِغالها أُفُقِيَّة، مثل قاطِعَة الأشجار الكهربائيّة تَضرب يَمِينًا وَيَسارًا بِثاراتٍ قَدِيمة وأُخرى حادِثَة، والمُنتقِمُون عادةً ما يُنتَقم مِنهُم في اللَّاحق السريع، والمُنتقَم منهم قَدْ يَتَحوّلُونَ في أَيّ حِين إلى مُنتَقِمين بِأَشخاصٍ تابعِينَ لَهُم، وذلك بِتَفْرِيخ أحقادٍ أَشَدّ إِيذاءً. وَأَمَّا آلَة الفَسَاد فَحَرَكة اشتِغالها عَمُودِيَّة، كَحَفّارَة يَتسَلَّلُ فُولاذها الثاقب إلى عَمِيق رُوح الحَياة الفرديّة وَالجَمْعِيَّة على حَدّ السواء حَتَّى لَكَأَنَّ تُونس تشهد في الراهن وَمُنذ أَعْوام حَرْبًا أَهْلِيَّة باردة طَوِيلة المَدَى، والّذي يُساعِد على استمرار هذا الواقع الكارثيّ بعضٌ مِن مُثقّفِين إدارِيّين ناقِمين مُنتَقمِين استَعَادُوا نُفوذهم الاستبدادِيّ القَدِيم قَبْل 14 جانفي 2011م، وَبَعْضٌ آخر مِن إعلامِيّين يُرَوِّجُونَ في الغالب للإشاعات الكاذِبَة وينتصرُونَ لِلرَدَاءَة على الكَفاءَة ولِمَنافعهم الفرديّة على مَصْلَحَة الوَطَن الكُبرى، فَيُبَرّزُون أَسْماء ويعتِّمُون على أُخرى بِفائق التفخِيم في اتِّجاهٍ والتَبْخِيس في اتِّجاهٍ آخر. وقِلَّةٌ هُم الصِحافيُّون المُختَصُّون في الشَأن الثَقافِيّ الّذِينَ يَقرَؤُون الكُتُب كامِلَةً وَيُشاهدُون الأعمال السِنمائيّة وَالمَسْرَحِيَّة ويحضرُون مَعارض الرَسْم ويُواكبُونَ النَدَوات الفِكريّة، والكَثرةُ هُم أولائكَ الّذين يُوَرّقُون الكُتُب لِيَحكمُوا لها أو عَلَيْها جِزافًا، ومعرفتُهم للفُنون، مُختلف الفُنون، هِي سَطحيّةٌ بالكثير مِن السَماع عنها، وَبالقَلِيل القَلِيل مِن الحُضور." و يمكن اقتناءِ هذا الكتاب في العاصمة التونسيّة مِن مكتبةِ "الكتاب" –شارع الحبيب بورقيبة، ومكتبة"المعرفة"-ساحة برشلونة،ومكتبة "بوسلامة"-باب البحر،ومكتبة "العيون الصافية"-وراء وزارة المرأة، وفي أريانة مِن مكتبة "العين الصافية" بالمنزه السادس.، وذلك بثمانية عشر ديناراً تونسيّاً للنسخة الواحدة.