عدت إلى مقري عملي ومسكني بتونس العاصمة بعد غياب دام ثلاثة أسابيع كاملة قضيتها بالحمامات للراحة، والابتعاد عن موائد العراك والخصام التي تنتصب كل ليلة في بيوتنا وتنقل لنا على شاشات التلفزة المحلية وعربية وغيرها، وتتحدث عن كل شيء يثير فينا الحزن والإحباط الذي بات عليه حالنا وحال العرب عامة. كانت تونس الاستثناء الأوحد الذي بتنا نفتخر به دون بقية البلدان المشابهة، وبالرغم من محاولات إجهاض ثورتنا، منا ومن غيرنا من البلدان التي عادت للوراء، او ممن تخشى على نفسها من العدوى!.. بالرغم من كل ذلك حافظنا عما بقي عندنا من حرية في التعبير والكلام الفارغ، خلافا لما انتهى إليه غيرنا من البلدان التي اقتدت بِنَا. لقد بقيت تونس تحاول بناء مؤسساتها، وهي مهتمة الآن بانتخاب رئيس لجمهوريتها، بعدما توفي رئيسها رحمة الله عليه، والذي كان حاول من جهته ان يكمل عهدته لآخرها، ولكن إرادة الله كانت الأقوى. رأينا هجوما غير مسبوق للترشح هذه المرة، قارب المائة من النساء والرجال، لم يبق منهم سوى 26 ممن اكتملت الشروط في ملفاتهم، وما زالت الهيئة المستقلة للانتخابات تدقق في احترامهم لشروطها الظاهرة والخفية، ولعلها ستكتشف بعض الاختلالات، لتسقط آخرين منهم مع من سينسحبون تلقائيا في الاثناء، وبعدما يتأكدوا من ضعف حظوظهم في النجاح أثناء الحملة التي ستفتتح في بداية الشهر المقبل، وستستمر لأسبوعين، لنشبع خلالهما بكم هائل من التجريح لبعضهم وحتى للسباب. انها الديمقراطية التي بدأنا نجربها، وقليلا ما نحترم قواعدها، لأنها أصعب علينا من الحكم المطلق الذي شبعنا منه سابقا، وقامت عليه ثورة ما زال البعض يشكك فيها، بل يريد أن يعود بنا للإستبداد الذي يراه أصلح بِنَا! لقد قصدت بهذه المقدمة المطولة الدخول لصميم الموضوع، ولأن هؤلاء من المترشحين الذين لن يبقى منهم الا واحد أو واحدة، لان الموقع لا يتسع لأكثر من ذلك. واقول جازما، باننا اخترنا لتونس نظام حكم هجين لا يناسبنا، لأن السلطة التنفيذية فيه تتركب من رأسين، واحد بقرطاج والآخر بالقصبة، وانه بالرغم من أن السلطات الثلاث في العهدة السابقة كان استولى عليها حزب واحد، وهو النداء، فقد اشتد التداخل بينهما، ولأننا لم نتعود على التقيد بالدستور ونحترمه، فإننا وقعنا في كم من المخالفات والتجاوزات التي قام بها رئيس الجمهورية السابق، بدون ان تبطل او يحاسب عليها إما استحياء، او لتأخر في تشكيل المحكمة الدستورية المفروض إقامتها في العام الاول من انتخابنا لمجلس نوابنا، والذي وقع منذ سنة 2014. وانتهى دوره بدون ان يقوم بالواجب؟ أما الأسباب فكانت في تقديري فساد القاعدة واختيارنا لنظام انتخابي لا يمثلنا بل يعتمد على قاعدة الرهان الذي لا يسمح بالحكم، بل يمنعه لمن يريد أن يحكم، او يعارض، وتلك طريقة لا تخلو من سوء النية؟ لقد راينا في الاثناء السياحة البرلمانية رائجة وتفكك الحزب الفائز بالمرتبة الاولى بدون اغلبيه، ولو نسبية، وتحالفاته الهشة التي انهارت قبل الانتهاء من تكوين المؤسسات الدستورية وحتى المحكمة الدستورية المحدد اجلها دستوريا بسنة واحدة من انتصاب مجلس نواب الشعب، ولكنها لم تتشكل الى الآن؟ ذلك هو حالنا واتمنى ممن سيفوز بالرئاسة هذه المرة ان يدرك ويتأكد بأن سلطاته صغيرة جدا ومحددة وأن الذي كان سابقا لن يتكرر أبدا…