في زمن الهم والدم كما وصفه الشاعر الفلسطيني سميح القاسم لابد من مواجهة الذات العربية بالحقائق المرة من اجل اعادة صياغتها بصدق وبعمق لأن زمن الهم والدم هذا الذي نحياه لن يقبل التأجيل ولا التدجيل. فنحن العرب في مفترق طرق وعرة أصبحنا نواجه تحديات كانت من قبل سياسية واقتصادية واصبحت اليوم حضارية ووجودية، اي السؤال فيها هو سؤال شكسبير في «ماكبث»: نكون او لا نكون؟! ماذا بقي حياً من الاحلام العربية ونحن نرى شعوبا عربية تحصدها حروب أهلية مفروضة عليها من قبل أنظمة عربية عميلة تخدم ركاب صفقة القرن و تؤيد اليمين العنصري الغربي و تعزز الاسلاموفوبيا بتعلات مقاومة الإرهاب (لا الإرهاب الحقيقي الذي نتصدى له جميعا بل الإرهاب الذي تقدمه لهم إسرائيل و عرابوها أي ما تبقى من أنفاس المقاومة) و نرى شعوبا مهددة بالقصف والموت تحت الانقاض، ونرى شبابا عربا بشهادات عليا يقطعون البحر الأبيض خلسة على مراكب الموت و يتحولون الى طعام للسمك بعد أن وعدتهم أنظمة الربيع العربي أنها ستطعمهم السمك! أو نراهم هاربين إلى القرون الغابرة من زمن الهم والدم واختلاط القيم وطغيان الظلم العالمي في بؤر العنف والإرهاب؟، ونرى علماء عربا ينبغون في الفيزياء وينجحون في ضبط ادق جزئيات الليزر وينالون جائزة نوبل في مختبرات ومعامل وجامعات الولاياتالمتحدة لأنهم أحبطوا في بلدانهم. إنه حصاد الوهم في العالم العربي وإذا وسعنا «زوم» الكاميرا الحضارية التي نسلطها على العالم العربي لرأينا هشيما هائلاً من الاحلام المجهضة والاماني المحروقة والفرص الضائعة. فها هو الاتحاد الاوروبي يفتتح عهداً جديداً سعيداً باستعمال عملته الموحدة «اليورو» منذ بداية القرن وقد بدأ يفكر فيها عام 1958و يخطط لدفاع مشترك ويوصد أبوابه في وجوهنا نحن العرب الذين ساهم أجدادنا في تحريره من النازية وشارك أباؤنا في بناء مدنه ومد طرقاته السريعة وتشييد جسوره وسدوده! بينما نحن العرب فكرنا وتصورنا وخططنا للدينار العربي المشترك منذ العام 1945 حين عقد الامين العام لجامعة الدول العربية عبدالرحمن عزام باشا اول اجتماع مع رجال الاقتصاد والمصارف العرب وتوكلوا على الله لإنجاز بيت المال العربي والعملة العربية الموحدة والسوق الاقتصادية المشتركة. والمرحوم عبد الرحمن عزام باشا هو الجد للأم للدكتور ايمن الظواهري والد امه وصلة الرحم هذه ليست خارجة عن موضوع مقال اليوم لان انهيار احلام الجد بصفة او بأخرى نجمت عنه التوجهات المتطرفة للحفيد ولجيل عربي لم يحصد الا الأوهام والوحدة العربية التي خطط لها الرواد من ملوك العرب اولئك الذين تناسينا افضالهم ملوك الثلاثينيات والاربعينيات رحمهم الله.. اولئك الذين توحدوا لشن حرب 1948 ضد عصابات الصهاينة الارهابية: (الارجون وشتيرن) واجتمعوا مع الملك فاروق ليطربوا لأناشيد ام كلثوم الوطنية ثم اتهمهم من خلعهم عن عروشهم بأنهم غشوا الاسلحة وفرطوا في فلسطين ومزقوا الامة العربية واعتلى الزعماء العسكر الجدد عروش الجمهوريات بالنتائج الكارثية التي نعرفها بعد سبعين عاما من الشعارات والهتافات والانتهاكات وقتل الحريات ووأد الذات وجرى كل ذلك «عن حسن نية» وعوض الوحدة والتضامن حققنا بأيدينا الفرقة والتنافر وعلقنا كوارثنا على شماعة المؤامرات الامبريالية وجاءت الفصول الاخيرة من مسرحية الضياع العربي محملة بالفاجعة حين قامت الحرب العراقية الايرانية على مدى ثماني سنوات عجاف دمرت دولتين مسلمتين ثم جاءت كارثة الغزو العراقي المأساوي للكويت وظهر الوجه البشع للقوة العراقية ثم السورية عوض توجيه الوجه الحسن نحو التضامن العربي ودعم الصف العربي وشد الازر العربي. انها الفتنة الكبرى المعاصرة! أعقبتها فتنة ثانية تضاهيها ضراوة عندما وقع هجوم بالطائرات المدنية على برجي مركز التجارة الدولي .. ونحن لا نعلم يقينا من الفاعل ومن الممول ومن المخطط لكننا نعلم يقينا من المستفيد ومن الضحية، فدفع ابرياء افغانستانوفلسطين والعراق واليمن وليبيا ثمنا غاليا لحسابات خاطئة واوهام خاسرة.. لم تقرأ عواقب الأمور. بل نتائجها اعادة رسم خارطة العالم وليس الشرق الاوسط وحده بما يتوافق مع مصالح الاقوياء وحلفائهم على حساب العرب والمسلمين. وإذا حصرنا صراعنا مع اسرائيل، نجد ان هذه الدولة الجديدة تخصص ثلاثة بالمئة من دخلها الوطني الخام للبحث العلمي مقابل نسبة صفر فاصل صفر فاصل واحد لمجموعة الدول العربية. فلقد عطلنا نحن العرب فريضة البصيرة واستباق الزمن وقطعنا الصلة بين النظام الرسمي والجامعات والمفكرين، بين اصحاب الامر واصحاب الفكر.. وكذلك لدى كوريا الجنوبية وتايوان وماليزيا واليابان وتركيا وإيران تخطط لمستقبل قد لا يكون فيه مكان للعرب لان مكاننا بإرادتنا هو خارج دائرة التاريخ وعلى هامش العمولة. اليوم يتواصل النزيف وتشترى الذمم في انتخابات هنا أو هناك تخدم مصالح نفس القوى المهيمنة وتمني العرب بنصر مزيف معشوش!