الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والاستفتاء، هي عليا وهي مستقلة ليس دون اعتبار سلطة مجلس النواب عليها التي تعود بتقرير أعمالها أمامه، وكذك سلطة رئيس الدولة، باعتباره "يسهر على احترام الدستور"، خصوصاً في غياب المحكمة الدستورية. ولذلك، فهي أضعف ما تكون لغياب هذه المحكمة، ولكنها بالمقابل يجب أن تعتبر نفسها محصنة بإشراف مجلس نواب الشعب عليها، والذي لا تنتهي مدته الى بانتهاء الانتخابات التشريعية المقبلة، وكذلك بإنصات رئيس الدولة الى كل متظلم اليه من غياب المحكمة الدستورية لإنصافه في هذا السباق الرئاسي الاستثنائي الهام، في ظروف يمكن أن تتسبب في أزمة لأقل إخلال يلاحظ على الهيئة في عملها طيلة هذه المدة. فلا جهة غير هاتين الجهتين يمكن أن تحل محل القضاء الأعلى للبت في المنازعات الانتخابية وخاصة التصديق على النتائج، والمتمثل أساساً وبنص الدستور في المحكمة الدستورية، والتي يمكن في غيابها أن يحلا محله ضرورة. فالقضاء جزء لا يتجزأ من الدولة بسائر دواليبها القضائية والتنفيذية والتشريعية، وكل فراغ في جانب من جوانبه مؤثر حتماً على سير بقية الجوانب، وإن بلغت تلك الجوانب الذروة في القيام بما هو في عهدتها وتحت نظرها كملاذ أخير. لكن حتى لا يستغل طرف غياب هذه المؤسسة من المؤسسات الدستورية لتجاوز هيبة الدولة وقوتها يجب على بقية المؤسسات بالعكس أن يمنحها هذا الوضع قوة إضافية لمنع العبث بمصير الدولة. فالهيئة العليا المستقلة للانتخابات تبقى بعد كل اعتبار عاجزة عن مراقبة كل جوانب الاستغلال الانتخابي غير المشروع، الذي لم تنفك منذ مدة طويلة تمارسه بعض الاطراف المتهافتة على السلطة عن طريق استخدام كل الثغرات القانونية والدستورية التي تراها (أو تفتعلها) للنفاذ الى الناخبين والتأثير في قرارهم تحت سطوة المال والإعلام، اللذين لا رب لهما يخشيانه. فهذا التحرش الهاتفي، أو ما يمكن أن يسمى بهذا الاسم للتعبير عن مفهومه بالأجنبية le démarchage téléphonique الذي أصبح يلاحق بعضنا صباح مساء من بعض هذه الأطراف التي أومأت اليها يجب أن يلاحق ويتابع للمحاسبة انتخابياً ومنعه خاصة خارج الفترة المقررة للحملة الانتخابية، لتأمين المسار الديمقراطي السليم في بلادنا.