حوار اجراه الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي (الحلقة الثانية) عندما اقترح الاخ صالح الحاجة رئيس تحرير الصدى اجراء حوار شامل مع سماحة الشيخ محمد المختار السلامي مفتي الجمهورية وجدتني متحمسا لهذا المقترح فقد عرفته استاذا للدراسات القرآنية بالكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين حيث تخرج على يديه عدد كبير من المربين والاساتذة وحملة الاقلام في بلادنا تذكرنا صولاته وجولاته بين اراء المفسرين مصوبا ومحللا ومرجحا بعلماء اعلام رفعوا راس تونس عاليا في المجالس والمحافل، وشاءت ظروف الحياة وتعقيداتها ان يترك هذا الشيخ الجليل قاعات التدريس في الجامعة الى لقاءات التوجيه والارشاد والتفقد في التعليم الثانوي فاذا بالشيخ محمد المختار السلامي يبدع ويجيد في مجال طرق التربية والتعليم مرجعا الطرق الحديثة والمتجددة في هذا الميدان الى اصولها في الحضارة الإسلامية رابطا بين القديم والجديد والاصيل والمعاصر وهكذا برهن سماحة الشيخ محمد المختار السلامي ان العالم الحقيقي يفرض نفسه ويجلب لها الاحترام والتقدير مهما كان موقعه ويشاء الله ان يتوج سماحة الشيخ محمد المختار السلامي حياته العملية بتولي مهمة الافتاء فاذا به يثبت جدارته فلا يملك كل من يجلس اليه ويحاوره أو يستفتيه الا ان يعجب بسعة علمه وذكائه ودقة نظره يزين كل ذلك انطلاقة في اللسان ولطف في المعاشرة ومتابعة دقيقة لما يكتب ويقال داخلا وخارجا سواء كان ذلك باللغة العربية أو اللغة الفرنسية فبمجرد ان شارك الشيخ في مؤتمر مجمع الفقه الاسلامي الأول بجدة أو مؤتمر الطب الاسلامي بالكويت حتى ادرك كل من لاقاه لاول مرة انه من كبار علماء المسلمين ومفكريهم لما لفضيلته من علم غزير وفهم سليم وادب رفيع جعلهم جميعا يكبرونه ويكبرون البلاد التي انجبته والجامعة التي خرجته ويحرصون على الاستفادة منه والتعاون معه لكل هذه الاعتبارات التي كانت في ذهني من قبل سارعت الى لقاء سماحة الشيخ محمد المختار السلامي واجراء هذا الحوار الشامل معه لقراء الصدى الكرام السؤال: كيف ترون السبيل الى تخريج جيل من الفقهاء يجمعون بين الثقافة الإسلامية المتينة ومعارف العصر الحديثة؟ الجواب: هذا السؤال جيد جدا واقول ان رغبة كل مصلح الى تكوين فقهاء على هذا المستوى هي رغبة عاطفية اكثر منها واقعية ذلك ان المعرفة في عصرنا الحاضر قد تطورت في كل ميدان من الميادين واصبحت لها فروع اختصاصية ما تزال تنقسم الى وحدات وكل وحدة تقتضي من الانسان عمرا كاملا فالذين نريد تكوين الفقيه عليه هو اولا معرفته بما يتصل بمادة اختاصه ثانيا –وهذا لا بد منه- هو ان تكون له ثقافة عامة لا اختصاصية تجعله يتحسس المشاكل بصفة اضمن ويتحسسها لا يعلمها حتى يعلم اين يتجه بالسؤال عن التصور الكامل في القضية المعروضة عليه فهذا ما يفرض ان يجتمع الفقهاء مع اهل الاختصاص في كل فرع من فروع المعرفة البشرية اذا كان في القضية المعروضة على النظر الفقهي واعطي مثلا على هذا في المؤتمر الاخير الذي انعقد في الكويت لتحديد بداية الحياة ونهايتها، اجتمع الاطباء واجتمع الفقهاء وكان دور الفقهاء انهم حددوا الاسئلة الدقيقة جدا عن مشكل بداية الحياة ونهايتها الى درجة ان الاطباء في بعض الاحوال توقفوا حتى يعودوا الى مراجعهم للاجابة الدقيقة عما طلبه الفقهاء فاذا توفر هذا الحس من الادراك للفقيه، فلا تتطلب من الفقيه ان يصبح قادرا على الاجابة ولكنه يعرف بعض النواحي الهامة في الموضوع التي يترتب عليها حكمه الفقهي فيبحث عنها عند اهل الاختصاص عندما تقوم بشركة يستحيل على الفقيه معرفة كل فروع الاقتصاد وخاصة الاقتصاد الحديث فهو يجتمع مع اقتصاديين ويتحدث معهم في اعطاء الصورة الكاملة للقضية ثم هو يكيف الحكم الشرعي اما ايجابا أو سلبا حسب ما يقدم له. وتلخيصا لوجهة نظري في القضية هو انه لا بد للفقيه من ان يكون عميقا في تكوينه الاساسي اعني الاطلاع على كتاب الله وسنة رسوله وعلى اراء الفقهاء وعلى علم الاصول وكيفية الاستدلال والاستنباط وبعد هذا يكون عنده مشاركة ثقافية جيدة جدا سواء كان في العلوم الانسانية أو في العلوم الاساسية مما يعبر عنه بالعلوم الصحيحة وانا انكر هذه التسمية واقول بالعلوم التجريبية لان العلم اما ان يكون صحيحا والا فانه ليس بعلم حتى يصبح عنده هذا الحس لحسن الخوض في المشكل وفهم جميع جوانبه السؤال: في العالم الاسلامي اليوم هيئات ومؤسسات ومنظمات تعمل جميعها في حقل الدعوة الاسلامية ومع ذلك فان المسلم اذا قارن بين نتائج اعمالها ونتائج اعمال مؤسسات شبيهة لها في الغرب يلاحظ بونا شاسعا وفرقا كبيرا فالى اي سبب يرجع هذا الخلل وكيف السبيل الى تلافيه؟ الجواب: انها مقارنة طريفة تفضلت بها بين العالم الغربي والعالم الاسلامي والمقارنة كانت معها النتيجة وهي ان العالم الغربي افضل اريد ان اقول هنا بوضوح كامل هو اننا اذا قلنا دولة متقدمة أو جماعة متقدمة فليس معنى ذلك ان تقدمها هو في فرع من فروع النشاط البشري المنتج تتطور في الانتاج سواء في الميدان الديني والاقتصادي أو الطبي فتصبح طريقة مباشرة مشاكل الحياة عامة للامة هذه العقلية حسب مستواها يكون الانتاج لانه حسب مستواها يكون مباشرة الفعل بالتصدي للمشاكل، طرق المعالجة طرق مباشرة للفعل، فنحن اذا ما قارنا بين العالم الغربي في انتاجه الادبي أو الفني أو الصناعي أو التقني وما ينتجه المعمل في بلد متقدم حسب طاقة الانتاج نجد نسبته 90 أو 91 % في حين ما ينتجه نفس المعمل في بلد من العالم الثالث هو 40 أو 50 % واول ملاحظة هو ان الانتاج يتبع درجة فكرية ودرجة عقلية وان العالم المتخلف لا يستطيع ان ينتج ما ينتجه العالم المتحضر هذا يأتي من عدة اسباب، لكن اريد ان اثير سببا خاصا في نظري هو قضية ايمان الشخص بذاتيته وبفعاليته، فبمقدار ما يكون الشخص مؤمنا بفاعليته وبذاتيته بمقدار ما تكون قدرته على التحدي امتن واكثر مضاء اذا قارنا مجهود العالم الغربي اليوم في الميدان الديني بمجهود العالم الاسلامي نجد بونا شاسعا في جميع النواحي أولا: القدرة المالية التي عند الكنيسة في الغرب أو التي عند الصهيونية العالمية في اسرائيل أو التي عند الكنيسة في امريكا أو لندن هي طاقات مهولة وثروات بالغة فهؤلاء الجماعة لهم القدرة على انشاء المعاهد من روضة الاطفال الى الابتدائي الى الثانوي وحتى الجامعة انشاء وتجهيزا وانفاقا ولهم القدرة الاقتصادية فينشؤون المستشفيات والمرافق العامة التي تستهوي المحتاجين فتؤثر عليهم ثانيا: وهذا ما يقال بكل صراحة هو ان المسلم فقد اعتزازه بذاته ولما فقد هذا الاعتزاز وفقد طمانينته وامنه الداخلي لا بد له من قوة، فكانت قوته مادية، اصبح المسلم يبحث عن المادة فقط وبذلك يصبح مقدار العطاء بالنسبة للعالم الاسلامي مرتبطا في ذهن المسلم بما ياخذه من مقابل لان ذلك، المقابل اصبح القوة الوحيدة التي يطمئن اليها بينما نجد الفرد في العالم الغربي معتزا بذاته وقد تحقق في الغرب من المؤسسات ومن الفكرة العامة اذ تم ايقاظ الناحية الايمانية فيه اقدم على اعمال كبيرة دون بحث عن مقابل وهذا ما نشاهده في زمن عزة كل الامم فالمسلمون لما انطلقوا لنشر الاسلام في اول الامر ما كانوا ينتظرون عند انطلاقهم هذا الا رضوانا من الله لقد كان المسلم يجد في عزته وقوته الذاتية الداخلية بهذا الإيمان ما يجعله يسعى في سبيل نشره ويتحمل كل المتاعب وكلما زادت المتاعب على نفسه الا وزاد انشراحه لها عندما يتغلب عليها
السؤال: في العالمين الاسلامي والغربي دعوات الى التلاقي والحوار والتعاون بين المؤمنين على مختلف اديانهم ولا يزال موقف المسلمين من قبول التعاون والتحاور متارجحا بين القبول والرفض فما هو رايكم في هذه القضية؟ الجواب: هذا سؤال الساعة واذا قلنا الاديان التي تدعو الى التعاون فيما بينها فهي الاديان السماوية الثلاثة المعروفة: الاسلام والمسيحية واليهودية فنبدا وننظر فيها واحدا واحدا أما الاسلام فمن عهده الأول "قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا اربابا من دون الله" فدعوة المسلمين الى التلاقي على نقط الاتفاق بينهم وبين اهل الديانات الاخرى من الناحية النظرية صاحبت الاسلام من اول يوم، وكل شخص لا يطبق اية من ايات كتاب الله يكون قد اخل بموجبات ايمانه فاذا نظرنا الى الاسلام في تعامله مع الاديان الاخرى في البلاد التي كان يحكمها فولى اليهود والنصارى في الدولة الإسلامية مناصب هامة وصلت الى الوزارة ووصلت الى الطبيب الخاص للخليفة ووصلت الى رتب كبرى كما كانت لهم قوة اقتصادية كبرى في العالم موقف الاسلام واضح من هذا ثم ان الاسلام لا يبيح في وقت من الاوقات ان يكون المسلم يتعامل بوجهين وجه ظاهر ووجه خفي سواء كان ذلك مع اعدائه أو اصدقائه وقد انعكست اليوم الاية فاصبح الغرب يمثل القوة والمسلمون يمثلون الضعف بالنسبة اليه في الامكانات الحربية والاقتصادية والفنية وصدرت الدعوة من المسيحية الى التقارب ولكن كل ما يصدر عن الكنيسة نجده يختلف الاختلاف الكامل عما تصرح به فالكنيسة اليوم في افريقيا تبذل كل جهودها لتنصير المسلمين فعبدة الاوثان لا تبذل معهم من المجهود لاخراجهم من الوثنية ما تبذله لتنصير المسلمين بافريقيا، نجد 5 % فقط حسبما ذكرته جريدة "لوموند" منذ شهر من ان المسيحيين في السودان يتلقون دعما من الكنيسة مما ساعد على تعقد المشاكل نتيجة الدعم المادي والاعلامي وتزييف الحقائق، كذلك البابا في السنة الماضية لما رحل الى النمسا وقف في المكان الذي وقف فيه وانتهى اليه المد الاسلامي فتعاملهم الباطني في الظاهر ما زال اذن: تعالوا نتحدث ونتفاهم ونتعاون ولكن ما هو التعاون وما هي صورته؟ هو ان ياخذوا من المسلمين كل شيء وان لا يعطوهم شيئا والعمل ليل نهار على مقاومة الاسلام في عقر داره ما معنى اننا نتعاون وما زال التبشير له دوره في بلاد العالم الاسلامي؟ ما معنى اننا نتعاون وما تزال الرسائل تاتي من الكنيسة شرقا وغربا للمسلمين في العالم بغية تنصيرهم فقضية التعاون بيننا وبين النصارى والكنيسة هو منهج نؤمن به، ولكننا لم نجد من الطرف المقابل الا العمل على خلاف ما يصرح به وهذا من اكبر ما يمقته الاسلام؟ "لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون" فاذا خرجنا من هؤلاء الى اليهودية العالمية أو الصهيونية العالمية والحال انكى فمحاربة الاسلام من اليهود على المستوى الفكري وعلى المستوى الواقع العملي هو اكثر من تؤتي له صورة من الصور فما وقع في لبنان من ان اسرائيل جاءت لتنصر المسيحية على الاسلام يعطينا الدليل وما وقع في فلسطين هذا يجري كل يوم والصهيونية العالمية تحارب الاسلام في الواقع ماديا وفكريا بما تنشره من اراجيف اعتبارا لهذا الواقع نقول ان المسيحيين واليهود لم يتركوا لنا فرصة للتعاون نقول لهم اكشفوا عن وجهكم الحقيقي ودعوا النفاق وعندها نضع ايدينا في ايديكم ونعمل جميعا ليسود الايمان في العالم