السياسيون الذين يغررون بقاض و يورطونه في ظلم لتصفية حسابهم مع معارض أو منافس يرمونه بعد ذلك بل يتبرأون منه و كما جاء في الأية الكريمة (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) صدق الله العظيم. في كتاب مذكراتي قصصت هذه القصة التي عشتها: "كنت يوم 20 مارس 1983 في قصر قرطاج القاعة البيضاء بالصدفة بجانب الزعيم بورقيبة فاقترب منه علالة العويتي ممسكا بيد عبد الله فرحات وكان مغضوبا عنه قال العويتي للرئيس: سيدي الرئيس عبد الله يحب يسلم عليك! فوقف بورقيبة ونظر الى عبد الله وقال دون أن يصافحه: يا عبد الله ما نسامحكش على بناء دار الحزب (التي هي في القصبة وكان عبد الله فرحات أمين مال الحزب ووافق على المخطط و تبين أنها من أسوإ ما بني في ذلك العهد و رفضت شركات التأمين تأمينها ...) و أضاف بورقيبة:" علاش ما شاورتش كليمون كاكوب (مهندس رسمي لدى الرئاسة) و بالفرنسية حرفيا: Cacoub n'est pas le 1er venu c'est le prix de Rome d'architecture ما نسامحكش يا عبد الله وخوك محمد كان يظلم في الناس! (يقصد المرحوم محمد فرحات الذي كان يرأس المحاكم الاستثنائية ووكيل عام للجمهورية وسخره الزعيم في كل القضايا الكيدية). وهنا امتقع وجه عبد الله فرحات رحمه الله وغادر الزعيم دون أن يصافحه بعد عمر قضاه وأخوه أيضا في خدمة بورقيبة! المثال الثاني الذي عشته شخصيا و أشهد عليه أمام الله سبحانه هو ما قاله لي زين العابدين بن علي يوم 9 فيفري 2000 عندما استقبلني في قصر قرطاج بطلب منه و رفع عني بعض المظالم و حين قلت له بحضور عبد العزيز بن ضياء إن صديقي محمد مزالي ينتظر من سيادتك أن يرجع مكرما الى وطنه قال لي الزين:" يا سي أحمد مشكلته مع القضاء و ليست بيني و بينه أية عداوة فهو أستاذي سيحل القضاء مشكلته" و حين قلت له" سيدي الرئيس أعد له بيته في سكرة" قال لي حرفيا:" جمعية القضاة جعلوها ناديا لهم و عاجبتهم" فقلت له مبتسما:" ما يصعبش عليك تعطيهم مكان أخر" فرد علي:" هوما لو نخرجهم يتغششو علي! مشكلة فكني منهم!" ثم اتفقنا على أن يعوض لمزالي بيته بسعرها وهكذا كان. أردت أن أنصح أبنائي وإخوتي القضاة ألا يتورطوا من أجل غنيمة زائلة لأن السياسيين لا يرحمون بل يأتي يوم يمسحوا فيهم السكين بالمكيافلية المعروفة. حذار حذار فإن الذي يبقى هو نظافتكم و نقاوة ضمائركم و احترام الناس لكم و لا تنسوا أن أولادكم سيعيشون مع أولاد من تظلمونهم لا قدر الله.