في حركة اعتبرت مفاجأة ولها خلفية سياسية وفي توقيت عده بعض المراقبين في غير محله والبلاد على وقع انتخابات رئاسية وتشريعية مؤثرة وربما تكون حاسمة في تثبيت مشهد سياسي لسنوات طويلة ، تم إيقاف نبيل القروي أحد المرشحين البارزين للانتخابات الرئاسية بعد صدور بطاقة جلب في حقه وإيداعه السجن تنفيذا للقرار الصادر عن دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بتونس في القضية المرفوعة ضده من طرف منظمة " أنا يقظ " منذ شهر نوفمبر 2016 بتهمة غسيل وتبييض أموال لها علاقة بأرباح شركات الأخوين القروي في الخارج حيث أصدرت المحكمة الابتدائية بتونس منذ شهرين حكما ابتدائيا يقضي بتحجير سفرهما وتجميد كامل أرصدتهما المالية إلى حين استكمال الأبحاث في القضية الجارية إلا أن هذا الحكم قد تم استئنافه في وقته القانوني من قبل المتهمين للمطالبة برفع التحجير والتجميد و الجديد في هذه القضية الذي أدخل البلاد في منعرج سياسي خطير لا يخدم المسار الانتخابي ويضر بالعملية الديمقراطية برمتها القرار الأخير الصادر عن محكمة الاستئناف بعد اجتماعها للنظر في طلب رفع تحجير السفر وتجميد الأموال والذي قضي بإيداع الأخوين القروي السجن ريثما تنتهي الأبحاث و يصدر الحكم النهائي في القضية. إن المقلق في هذا الموضوع ليس في الجدل الذي حصل بسبب طريقة تنفيذ بطاقة الجلب الصادرة عن دائرة الاتهام من قبل الوحدات الأمنية المختصة ولا في الاختلاف في وجهات النظر الذي حصل بين رجال القانون حول سلامة الاجراءات من عدمها ولا في النقاش حول التوقيت الذي صدرت فيه بطاقة الجلب وهل كانت دائرة الاتهام على حق فيما ذهبت إليه أم لا ؟ ولا في النقاش الذي نشاهده في منابرنا الإعلامية ونسمعه في برامج إذاعاتنا وحواراتنا التلفزية حول معرفة هل كان القرار سياسيا أم قانونيا ؟ وهل كان محكوما بحسابات سياسية انتخابية بعد أن اتضح أن صاحب قناة نسمة وجمعية خليل تونس يتصدر حسب آخر استطلاعات الرأي نوايا تصويت التونسيين . إن المقلق في الموضوع ليس في الانقسام الحاصل في الرأي العام حول مدى ثبوت تهمة الفساد المالي و التهرب الضريبي التي يري فيها جانبا من الحقوقيين أنها ثابتة ولا لبس فيها واعتبار أن قرار دائرة الاتهام قانوني وإجراءاته سليمة لا لبس فيها طالما أنه صادر في إطار قضية تعهد بها القضاء منذ أشهر وبين من يرى أن السلطة التنفيذية وتحديدا رئيس الحكومة قد تلاعب بالإجراءات ووظف القضاء وأجهزة الدولة في معركة سياسية وأقحم الجهاز القضائي في الحملة الانتخابية بإقصاء منافس له حظوظ وافرة في الانتخابات المقبلة باستعمال الوسائل القانونية وهي عملية تذكرنا بما كان يقوم به الرئيس بن علي مع خصومه السياسيين . إن المقلق في الموضوع ليس فيما نشاهده في التوظيف الذي يقوم به بعض الإعلاميين لحدث الاعتقال لاستكمال معركتهم مع الحكومة واستغلال قضية الأخوين القروي في عملية استقطاب سياسي مبكر وتوجيه الرأي العام نحو فرز انتخابي يعسر على عموم الشعب فهمه يقوم على معيار من هو مع دولة القانون وحياد القضاء ومن هو مع انتهاك الاجراءات القانونية وتوظيف السلط العمومية وأجهزة الدولة لفائدة حسابات سياسية ضيقة حيث شاهدنا كيف استغل جانب من الاعلام حدث الاعتقال للإعلان عن عدم تأييده لترشح لنبيل القروي ولكنه في نفس الوقت يعارض الطريقة والإجراءات التي استعملت في عملية ايقافه وتنفيذ بطاقة الجلب الصادرة عن دائرة الاتهام وهي محاولة لإظهار نفسه محايدا وحريصا على المصلحة الوطنية والحال أن كل تحاليله مؤسسة على موقف سياسي وإيديولوجي مفضوح. إن المقلق ليس في كل ما ذكرناه على أهميته وليس في كل ما يدور في إعلامنا من نقاش موجه يتعمد في الكثير من الأحيان الابتعاد به عن جوهر القضية وعدم مناقشة الموضوع في أصله وفي جذوره و في بداياته الأولى وإنما المقلق في التعمد الحاصل لعدم التعرض إلى السبب الرئيسي لاندلاع هذه الحرائق المتكررة في منظومة 2014 التي جاءت بالمرحوم الباجي قائد السبسي إلى قصر قرطاج والتي مكنت حزبا سياسيا تكون لتوه من الفوز بالانتخابات وتصدر المشهد السياسي قبل أن ينشطر إلى أجزاء عديدة ويتشقق إلى شقوق سالت منها الكثير من المياه المتعفنة. إن القلق الحقيقي في موضوع اعتقال نبيل القروي وإيداعه السجن بسبب تهمة التهرب الضريبي وتبييض أموال شركات تعود إليه خارج البلاد هو نسيان أن ما يحدث اليوم هو نتيجة طبيعية للطحن الذي حصل لآلة 2014 التي قامت على التصويت الايجابي والتآكل الذي أصاب منظومة اعتصام الرحيل التي ضمت أحزابا وجمعيات وشخصيات من مشارب فكرية متعددة يصعب بقاؤها متحدة لتعرف مصيرا كارثيا بعد انتخابات 2014 . ما يحصل البوم وما نشاهده في واقعنا السياسي هو نتيجة الطعن وقصم الظهور والتآكل الذي حصل لآلة التصويت الايجابي ولمنظومة 2014 الني انقلبت على نفسها وبدأ بعضها يأكل بعضا فكان البدء بالجناح المالي الذي مول المنظومة ويمثله شفيق جراية وسليم الرياحي ثم جاء الدور على الجناح الاعلامي الذي احتضن وروج لما كان يعرف بانقلاب 2014 وكان على استعداد لحرق البلاد وقتها وعلى رأسه نبيل القروي صاحب قناة نسمة وقبل ذلك وبعده شاهدنا الدمار الذي حصل للحزب الفائز في الانتخابات وانشطاره غلى شظايا قصمت ظهر المنظومة التي بناها المرحوم الباجي. ما يحصل اليوم وما نشاهده من أحداث سياسية مؤثرة على المسار الديمقراطي ومن نقاشات وحوارات بعد إصدار بطاقة جلب في حق نبيل القروي هو صورة من صور كثيرة تبين كيف يمكن للآلة أن تطحن نفسها وكيف يمكن للمنظومة أن تدور على أفرادها وتأكلهم فردا فردا ليحصل التدمير الكامل للمنظومة ويحل الخراب بالجميع. إنها اللعنة التي حلت بكل الذين تآمروا على الثورة وأفشلوها وأضاعوها وتعمدوا عدم حمايتها بسبب العداء الايديولوجي الذي كان متحكما في زمن حكم الترويكا الذي قضى أن لا يحكم تونس إلا من كان متشابها ومن كان يمثل التوجه الحداثي فكانت النتيجة أن امتلأت السفينة بقادتها الحداثيين وأوشكت على الغرق بالجميع فكان من الضروري التضحية بالكثير من ركابها وكان لا بد من تصفية الكثير من القيادات ليبقى قائدا وحيدا ليواصل قيادة سفينة تعددت الثقوب بها .. إنه التاريخ يعيد نفسه ويذكرنا بما حصل من صراع مدمر بين بورقيبة وصالح بن يوسف الذي حتم أن لا يبقى إلا واحد منهما وأن لا تحكم تونس إلا برجل واحد بعد أن كان الاثنان معا في محاربة الاستعمار فكان لا بد من التخلص من أحد الرجلين ..