هي ندوة ربما موعد انعقادها لم يكن موفقا وجاءت خارج السياق العام لاهتمامات الناس والبلاد على وقع انتخابات رئاسية وتشريعية قريبة حيث أن كل التركيز الفكري والثقافي هذه الأيام موجه نحو الحملة الانتخابية للمترشحين والاهتمام منصب بالكلية على برامجهم السياسية أكثر من أي قضية أخرى الأمر الذي نتج عنه عدم إكتراث الإعلام بالقدر المطلوب بما قدم في هذه الندوة على أهميته . كان هذا هو الانطباع العام الذي رافق الندوة التي أقيمت صبيحة يوم الجمعة 6 سبتمبر الجاري بنزل المشتل بالعاصمة ببادرة من منتدى العلوم الاجتماعية التطبيقية لتقديم مخرجات التقرير الذي أشرف عليه وأعده الدكتور عبد اللطيف الحناشي.حول " السلفية الجهادية في تونس من خيم الدعوة إلى تفجير العقول " أهم ما يمكن ملاحظته حول هذا التقرير عن الحالة السلفية في تونس هو أنه ليس العمل البحثي الوحيد الذي تناول الظاهرة السلفية فالكثير من الجهات الرسمية وغير الرسمية وكذلك الكثير من الأفراد قد اشتغلوا في السنوات الأخيرة على هذا الموضوع وصدرت في شأنه الكثير من التقارير والمؤلفات حاولت أن تتناول مسألة التدين العنيف في أبعادها المختلفة وفهم الأسباب المباشرة وغير المباشرة التي تجعل من أناس عاديين يتحولون في لحظة من الزمن إلى أفراد عنيفين ويتبنون فكرا عنيفا ويحولون وجهتهم نحو جماعات مقاتلة وهي دراسات قدمت العديد من المعطيات والأرقام عن المنتمين للجماعات الجهادية و المقاربات النظرية والعملية لفهم الظاهرة السلفية وأدوات التعاطي معها لعل أهمها التقرير الذي أعدته وحدة البحث حول الظاهرة السلفية بمعهد الدراسات الاستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية في أيام الرئيس منصف المرزوقي والذي صدر في كتاب مهم ولكن من أشرف على المعهد بعد مغادرة المرزوقي قصر قرطاج قد تجاهل هذا العمل البحثي و لم يواصل فيه ولم يراكم المعرفة التي حصلت بخصوصه ليبقى الكتاب في طي الإهمال . ولكن إذا كان موضوع السلفية قد كتب فيه الكثير وقيل بخصوصه كل شيء تقريبا واستهلك وأصبح معروفا عند الجميع وخاصة المهتمين منهم بظاهرة التدين العنيف فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما هي الإضافة التي حملها تقرير الدكتور الحناشي حول السلفية ؟ ولماذا العود إلى موضوع المعطيات حوله متوفرة ؟ في الحقيقة رغم أن موضوع السلفية مستهلك إلا أن ما يحسب للدكتور الحناشي هو أنه قام بعملية تجميع كبرى لكل المعلومات المتناثرة هنا وهناك وقام بعملية تحيين للأرقام والمعطيات التي تخص عدد المورطين في بؤر القتال من التونسيين والجماعات التي ينتمون إليها و أجرى تحليل دقيق للمسارات التي يسلكها كل فرد بدءا بالنشأة العائلية ومرورا بالدراسة والتعليم وانتهاء بتحوله إلى متدين خطير وعنصر عنيف في جماعة سلفية جهادية مع متابعة دقيقة للملف القضائي حيث قدم المؤلف معطيات دقيقة عن عدد المحالين على القضاء بتهمة الارهاب وكل الأحكام الصادرة بشأنهم ويبقى أهم ما يحسب لهذا التقرير عن الظاهرة السلفية في تونس هو الخلاصات المهمة التي انتهى إليها منها أن التقرير يطالب بإجراء بحث علمي لتفسير ظاهرة إقبال الشباب التونسي بكثافة على الفكر التكفيري في وظل دولة راهنت على التعليم والتنوير والحداثة وفي ظل مجتمع يعرف انفتاحا كبيرا على المنجز الغربي في موضوع حرية المرأة والتعليم العصري. فكيف يمكن أن نفسر إقبال الكثير من الشباب على التدين العنيف ؟ من الأفكار الأخرى التي انتهت إليها هذه الندوة ضرورة مراجعة بعض الأفكار والقناعات المسلمة منها قناعة أن الشعب التونسي هو شعب مسالم وينبذ العنف وهو ليس من الشعوب العنيفة لنستفيق اليوم على حقيقة أن المجتمع التونسي هو في حقيقته مجتمع عنيف حيث كشف التقرير أن العناصر التونسية المقاتلة في الجماعات السلفية الجهادية هي من أشرس العناصر وأكثرها دموية وعنفا وهي حالة تعكس توسع العنف في المجتمع التونسي وارتفاع صور الجريمة المنظمة فيه مما يجعل من الضروري مراجعة هذه المسلمة والانتهاء من القول بائنا شعب مسالم. فكيف نفهم كم العنف الذي بدا في سلوك الشباب السلفي الجهادي ؟ من الخلاصات الأخرى التي انتهى إليها التقرير ضرورة مراجعة فكرة أن الارهاب هو ظاهرة دخيلة عن المجتمع التونسي وأنه ظاهرة خارجية قادمة من وراء حدودنا وفكرة أن الإرهاب سببه الاستبداد السياسي وقمع الحريات لنستفيق اليوم على حقيقة أخرى مفادها أن الارهاب ظاهرة داخلية وأن الاستبداد له روافد مختلفة غير المنع السياسي وهي قضية نحتاج أن نطور البحث بخصوصها. من الخلاصات الأخرى أن الارهاب والجماعات الارهابية لم يقدر أن يجد له حاضنة شعبية في تونس ولم يستطع أن يجعل له ولاء داخلي ولكن في المقابل ما تم ملاحظته أن هناك عدد كبير من أفراد الشعب لهم ذهنية تقبل بالإرهاب بما يجعل من الكثير من الشباب لهم القابلية لأن يصبحوا عنيفين وعناصر إرهابية وهي مسألة تحتاج إلى دراسة معمقة . من الخلاصات الأخرى أن الفكرة السائدة التي تعتبر أن المجال الجغرافي المزود للإرهاب هي المناطق الجنوبية وجهة الشمال الغربي هي فكرة في حاجة إلى مراجعة حيث كشف التقرير أن المناطق الساحلية على خلاف ما يعتقد هي أكثر الجهات المزودة بالعناصر الإرهابية . من الخلاصات أيضا أن محاصرة الظاهرة الإرهابية تحتاج إلى آليات مقاومة في مقدمتها منظومة تشريعية واضحة ومنها ايجاد آليات تسمح بأن يدافع المجتمع عن نفسه من خلال سياسات ناجعة تحصن المجتمع وتجعله قادرا على التصدي للظاهرة . كانت هذه بعض الاستنتاجات والخلاصات التي انتهى إليها تقرير السلفية في تونس من خيم الدعوة إلى تفجير العقول وهي خلاصات مهمة تحتاج أن نلتفت إليها لمزيد فهم الظاهرة الإرهابية ومزيد محاصرتها فرسم الخطط يبدأ من فهم الظاهرة والوعي بها .