لدينا في هذه الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها المترشح المسجون، والمترشح بالخارج المهدد بالسجن، والمترشح المسنود من حزب، رئيسه بالخارج خوف السجن، وهذا الرئيس ليس ككل رئيس حزب بل هو رئيس حزب الأغلبية البرلمانية في التشريعية التي نعيش آخر أيامها وفي الوقت نفسه ابن الرئيس الراحل المقامة هذه الانتخابات لخلافته قبل شهور من انتهاء عهدته. وإذا صرفنا النظر عن الحالة الثالثة للمترشح المسنود من حزب الأغلبية البرلمانية التي تفتت بحكم ما يطلق عليه بالسياحة الحزبية داخل البرلمان، فإن المترشح المسجون والآخر الخائف من السجن وهو موجود بالخارج، أمرهما بين مطالبين لدى القضاء وبين مترشحين لدى الهيئة العليا المستقلة الانتخابات. فهما متهمان ومترشحان في وقت واحد. فخارج دائرة صفتهما لدى كل هيئة من هاتين الهيئتين الدستوريتين، التي لا ينازع أحد في صحة إطلاقها عليه رغم التباسها بصفته الأخرى، لكن لا يمكن للناخب أن يتعامل معهما كمترشحين، كما تواصل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على معاملتها بهذه الصفة بعد إعلان ترشحهما الرسمي قبل يوم من انطلاق الحملة الانتخابية. لا يمكن، باعتبار تناقض ذلك مع حريتهما المقتضية للمشاركة في الحملة كبقية المترشحين في تنافس ملموس ودون غياب بأشخاصهم عنها. فالمترشح، إذا فَقد حريته السياسية وبالتالي حريته الانتخابية، فكيف نستمر على اعتبار هذه الصفة له، التي تكلف المجموعة الوطنية ملايين الدنانير من أجل حملته الانتخابية وبقية العمليات التي تليها؟ فإن فوزه أو عدم فوزه سيكون مطعناً من الطعون ليس في ترشيحه ولكن في إهمال اعتبار صفته كمحروم من حريته في منافسة غيره بحرية أو منافسة غيره له بحرية، لأن تلك الصفة له كسجين أو مهدد بالسجن قد تكون لعبت دوراً إيجابياً أو سلبياً في حالته أو في حالة منافسه. قد يكون التنسيق بين بعض الهيئات الدستورية كهيئة الانتخابات المستقلة للانتخابات وبين بعض السلط الدستورية كالسلطة القضائية يحتاج الى مراجعة مفهوم الاستقلالية ليكون أكثر ايجابية وأقل سلبية. فالسلطة القضائية ليست سواء هي والهيئات الدستورية في الاستقلالية، لأن استقلالية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات هي استقلالية إدارية ومالية. وليس بمعنى أنها سلطة كالسلطة القضائية، التي تأتي في الترتيب ثالثة السلط التقليدية في الدستور. فالهيئة العليا المستقلة للانتخابات ستمثل لها هذه الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها أصعب امتحان لها وللديمقراطية في بلادنا، لأنها غير مسبوقة بمثال حتى في الخارج. تونس في 10 سبتمبر 2019