قد لا أجانب الصواب إذا قلت إن نتائج الانتخابات المقبلة في إسرائيل لن تأتي بجرار العسل للفلسطينيين،ولن تمنح الاستقلال لشعب يرفل بالقيود منذ عقود موغلة في الدياجير، فمن العسير الربط دائما بين ايديولوجيات الأحزاب الإسرائيلية وبرامجها الانتخابية من ناحية، ومجمل الإسرائيليين من ناحية أخرى بحيث يصعب التطابق بين الناخب الإسرائيلي وما يمثله نائبه داخل الكنيست الإسرائيلي عمليا. فقد ينجح الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو لأسباب اقتصادية أخفق فيها حزب العمل،وربّما يعود بعد حين حزب العمل إلى السلطة لأنّ حكومة نتنياهو لم تنجح هي الأخرى في معالجة المشكلة الاقتصادية. وهكذا، فالجميع يفكّرون في الأمر الجوهري تفكيرا ضيقا محصورا بأزمات عابرة أو غائرة، ولكنهم يلقون بالعتب كله على أزمة الشرق الأوسط دون التفكير بحل تاريخي شامل لا يخضع للمزايدات أو المناقصات الانتخابية، ولا بالعلة والمعلول الاقتصادي. ورغم الارتباط الصهيوني العميق بالغرب فلا أحد من زعماء السياسة الإسرائيلية يفكّر بطريقة نيكسون مثلا في رحيل أمريكا عن فيتنام وانفتاحها على الصين، أو التفكير بطريقة ديغول في رحيل فرنسا عن الجزائر. فإسرائيل هذه التي يفكر فيها البعض لا وجود لها في العقلية الحزبية الإسرائيلية، إذ تصبح صهيون هي الحزب وحده ويصبح الشعب هو عدد الناخبين وحدهم. وهي مأساة سياسية من الدرجة الأولى لأنّ حصيلة الفكر الحزبي الإسرائيلي هي المزيد من الأزمات العابرة أو الغائرة (في الاقتصاد مثلا) وبقاء الأزمة الجوهرية (الكيان والوجود) بلا حل حقيقي، مما يهدّد باستمرار الحروب وكأنّ إسرائيل «دولة» لا عمل لها غير ميدان القتال على حساب الجماهير الجائعة إلى السلام لأنّه يعني ببساطة الأمن والرخاء. إننا – كعرب- وفي أحسن الأحوال لا تتجاوز مقاربتنا لجوهر الصراع حدود التصوير السياسي إلى حدود تقديم البدائل، إذ نكتفي بتجسيم «الحائط الصهيوني المسدود» والذي يحتاج إلى مبادرة في حجم الخروج الأمريكي من فيتنام والإقبال الأمريكي على الصين، أو في حجم الخروج الفرنسي من الجزائر. فإسرائيل ذات الاقتصاد المفتعل الذي يعتمد أساسا على المساعدات الأجنبية تقيم أوثق العلاقات الاقتصادية مع دول إفريقية عديدة، بل هي تقيم أوثق العلاقات مع دول إسلامية كتركيا وأندونيسيا. وإسرائيل التي يعتمد تسليحها على الولاياتالمتحدة لدرجة أن الجسر الجوّي عام 1973 هو الذي أنقذها من الهزيمة الكاملة هي نفسها التي تنتج الطائرات الحربية، ويقال القنبلة الذرية، وتتاجر في السلاح، وتبعث بخبرائها العسكريين لتدريب الأفارقة. هذه العلاقات الوطيدة من شأنها تطويع الرأي العام الدولي للقبول بإسرائيل، لا كوجود فقط، بل كاستمرار توسعي. وهنا الخطورة. إن الرأي العام في الغرب،وحتى في العالم الثالث، لا ينتبه إلى حقوق تاريخية. وحين تقع حرب مع العرب، فهو لا يبحث في أصل المشكلة بل إلى انعكاساتها على مصالحه الاقتصادية والأمنية. لذلك لا يفهم مشكلة الفلسطينيين إلا على أساس كونها مسألة إنسانية لبضعة آلاف من اللاجئين من هنا، فإن ما يسمى بالرأي العام العالمي قد وقف منذ 1948 إلى جانب إقامة دولة يهودية في فلسطين، ثم ترجم تأييده لهذه الدولة بالدعم المادي والمعنوي المتصل لحمايتها وجودا وكيانا، وبالطبع كان هذا الموقف المستمر يعادي ضمنيا الطموحات العربية لاسترداد فلسطين أو قبول التقسيم إو إقامة دولة فلسطينية في غزة والضفة الغربية. أردت القول إن حماية المشروع الصهيوني في إقامة دولة يهودية وضمان بقائها أمر لا يهم غرب أوروبا والولاياتالمتحدة وحدهما، بل هو شأن دولي يرى من وجهات نظر مختلفة أن هناك قومية يهودية تهددت بالدمار الشامل أكثر من مرّة، أقربها الحرب العالمية الثانية وأبرزها المحرقة الشهيرة التي أصبحت الاعتراف فيها معيارا لموالاة إسرائيل أو معاداتها، وأنّ الدولة العبرية وحدها هي الضمان الممكن للشعب اليهودي ضد الانقراض. وهذا أساس ثابت في التفكير الغربي والأمريكي بوجه خاص لا سبيل لتجاهله أو تجاوزه في طريق البحث عن حل.. والحل، هو إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة في ظل سلام شامل ودائم في المنطقة كلها، وإلا فإن حربا جديدة مقبلة لا ريب، بل إن حروبا مقبلة لا ريب، فحين لا يكون هناك سلام حقيقي لا يعود لحالة اللاسلم واللاحرب إلا هامش ضيق سرعان ما ينفجر في ميدان القتال اللانهائي. ولكن- الغرب – يعتقد مخلصا أن العرب والفلسطينيين خطوا خطوات عملية عديدة خلال السنوات الأخيرة لإقامة السلام الدائم، ومازال – يعتقد – أن بإمكانهم أن يقدموا المزيد لعملية السلام المتعثرة الآن. على سبيل الخاتمة: أعتقد أن المجتمع العربي الفلسطيني بحاجة إلى مجتمع موحد متنبه لخطورة المرحلة،مما يستلزم إعادة تنظيم الجماهير العربية وطرح نوع آخر من التنظيم والتفكير والإبداع.. في هذا السياق،أدعوالأحزاب العربية إلى مكاشفة الجمهور العربي، خاصة في ظل تعالي الأصوات الشعبية والجماهيرية الداعية للمقاطعة وإعادة النظر في جدوى الوجود والتمثيل العربي بالكنيست، مع مواصلة أحزاب اليمين وحكومة نتنياهو مخططاتها لنزع الشرعية عن القيادات العربية وإقصاء التمثيل العربي من الكنيست. وأشدّد في ذات الآن على ضرورة الاستماع لنبض المجتمع والأصوات الداعية إلى إعادة بناء لجنة المتابعة العربية،وإقامة مشروع تنظيمي ليكون المظلة السياسية والاجتماعية لفلسطينيي 48. والأهم أن هذا المشروع يحدد العلاقة مع إسرائيل ومؤسساتها ويكون سدا منيعا قبالة التكتلات السياسية في المجتمع الإسرائيلي..