في البداية أطلب من الصديق محمّد الحبيب السلامي أن يقدّم للقراء الكرام المرجع الذي يدلّ على أنّ "قديما قالوا" أي أنّ المقولة التي ساقها هي فعلا قِيلتْ قديما وإن أمكن من هو قائلها ؟ لأنّ أسلوب هذه النصيحة وما شَابَها من حشو لغوي وتمطيط في الفكرة البسيطة جدّا التي تحتويها يدلّ على أنّ هذه المقولة موضوعة-قد يكون ذلك من طرف الكاتب- لخدمة النصيحة التي أراد أن يمرّرها بَنْسبها للقديم وهذا الأسلوب-نسبة شيء للماضي - غالبا ما يستعمل لتقديس الخبر و التخوف من مناقشته. والخبر المقصود هنا هما النصيحتان اللتان نصح بهما الكاتب المرشحين للدور الثاني من الرئاسيّة وعلّل ذلك بكثرة القيل والقال عنهما .وهنا نصل لجوهر الموضوع .فمن الطبيعي جدّا أن تكثر الآراء والمواقف من مرشّحين سيكون أحدهما رئيسا للجمهوريّة في أجل قريب خاصة وقد أعْتُبِر مُرور هذين الشخصين للدور الثاني من الرئاسيّة مفاجئة بل هي صدمة ومن البديهي أن يثير هذا الحدث النقاش والتساؤل حول هذين المرشحين من طرف نوعين من الناخبين:النوع الأوّل هم الناخبون النزهاء الذين يريدون بالتشاور فيما بينهم أن يحسنوا الاختيار بين المرشّحين لما فيه الصالح العام. والنوع ثاني هم الناخبون "العملاء" لأحد المرشّحين الذين يعمدون إلى ترجيج كفّته بالكذب والتشويه على حساب المرشّح المنافس وذلك مقابل المال أو الطمع في منصب أو لعقيدة أديولوجيّة يؤمن بها . لكن المتابع للساحة السياسيّة اليوم لا يجد أثرا للقيل والقال حول سلامة صحّة المتنافسين فهما والحمد لله لم يتجاوزا السبعين من العمر فمن أين جئت إذا بهذه النصيحة يا سي الحبيب أي تقديم ملفّ صحي ألا ترى معي أن هذا المقترح لا محلّ له اليوم أو أنّ لك منه مآرب أخرى مدسوسة سأحاول أن أفضحها . أمّا النصيحة الثانيّة والتي تعتبر كالسمّ في الدسم والتي تفضح انحيازك ومحاولة التلاعب بالناخبين هو طلبك من الناخبين إثبات "قانونا" طهارته وبراءته من الفساد في مال الدولة والعباد والإجابة على نصيحتك الملغومة هذه هو أنّ العكس هو الصحيح فنحن نستطيع أن نخرج وثيقة اعتمادا على أحكام قضائيّة صادرت في شأن شخص تتبث تلاعبه بأموال الدولة فهذا ممكن ونجده مضمّن في وثيقة الحكم أمّا الوثيقة التي طلبتها أنت فليس هنالك أي جهة قانونيّة-كما أكدتَ- مؤهّلة لتقديم هذه الوثيقة تصوّر أن يتوجّه أيّ كان لجهة ما ويقول للقائمين عليها :"بالله عليكم أعطوني وثيقة تدلّ على أنّي طاهر وبريء من الفساد في مال الدولة والعباد. فستكون الإجابة المنطقيّة على هذا الطلب هو :" إنّ الجهة الوحيدة المخوّل لها تسليمك مثل هذه الوثيقة توجد في منوبة وهي تابعة لوزارة الصحّة".أمّا إذا كان المقصود بهذه الوثيقة بطاقةعدد3 فمن ما لا شكّ فيه أنّ كلّ من المرشّحين قادر على الحصول عليها. ولا يبقى لنصيحتك أي معنى. والآن لنفترض جدلا أنّ وثيقة البراءة هذه يمكن الحصول عليها ألا ترى معي أنّها كلمة حقّ في ظاهرة وهي عين الباطل وأنت تعلم مسبّقا أنّ المرشّح الثاني تعوزه هذه الوثيقة الآن وقد يستطيع أن يقدّمها بعد فوات الأوان أي بعد أن يبرّأه القضاء وعندها يكون قد حصّل ما في الصدور عفوا يكون قد حصّل ما في صدرك وصدر أمثالك من المناصرين لأحد المرشّحين على حساب الآخر فهل أنت واع بما تقول أم أنّك تعرف أنّها حيلة قد تنطلي على الناخبين أي أنت تتحيّل عليهم فلماذا هذه الطريقة الملتويّة وهذا الإخراج المفضوح لمناصرتك لأحد المرشّحين ثمّ إنّك بطلبك هذا توجّه مباشرة تهمة لأحد المرشّحين لم يوجهها له حاكم التحقيق الذي أبقاه في حالة سراح إلى أن يتمم اختبار الوثائق التي تضمّنها ملفّه معنى هذا أنّ الوثيقة التي طلبتها مستحيلة لأحد الطرفين وهي تعجيزيّة والهدف منها هو تشويه المرشّح الثاني والانتصار الغير شريف للمرشّح الأوّل ثمّ إنّ طلبك هذا سيثير اهتمام الناخب لو كنّا في الولايات المتّحدة أو في دولة أروبيّة عريقة في الديمقراطيّة ومتمسّكة بالحقوق الفرديّة للإنسان لأنّ المتّهم بالنسبة لهم يتمتّع بجميع حقوقه كمواطن إلى أن يحاكم ويدينه القضاء أو يبرّأه أمّا ونحن في تونس وفي ديمقراطيّة ناشئة حتّى لا أقول شيء آخر وأمام إيقاف للمرشّح الثاني الذي يعتريه كثيرا من الخروقات وقد نشر رجال القانون في هذه الخروقات الكثير من المقالات فإنّ المتّهم نبيل القروي بريء إلى أن تثبت إدانته قضاءيّا وهنا أحيلك على صديقنا الطاهر بوسمّة الذي كتب في إحدى مقالاته حرفيّا:" "...ومترشح آخر له مشكلة مع القضاء لم تنحل بعد وبات متهما وموقوفا على ذمتها بالرغم مما شابها." فاستعمال كلمة"ما شابها " هي تعبير متّزن على أنّ هنالك خروقات قانونيّة. كما أنّ من خبراء القانون في الداخل والخارج من نعت هذا الإيقاف بأنّه سياسي وأمام كلّ هذا هل بقي لطلبك معنى سوى أنّه مناصرة ملتويّة للمرشّح الأوّل وما كنتُ أحسبك ستقع في هذا المستنقع من اللفّ والدوران للتعبير عن موقفك من المرشّحين إن نحن اليوم نعيش في شبه وضوح وشبه ديمقراطيّة وشبه حريّة تمكّن المواطن من التعبير عن رأيه و تسمح له أن يتحرّر من رواسب الماضي التي تحيلنا على استعمال الحيل الفقهيّة التي كان يعمد إليها الفقهاء البلاط في الماضي ليتحيّلوا على حقوق صريحة للمواطن تتعارض مع مصالح الحكّام فجاءت هذه الحيل الفقهيّة أرضاء للحكّام و لولا علمي أنّك تعرف مصادر هذه الحيل لأحلتك على الكتب التي حبّرت لجمعها. وبعد أن شرحت لك أنّ الوثيقة الثانية التي طلبتها من المرشّحين- وأنت تقصد بها تعجيز المرشّح الثاني وتشويهه- لا يمكن الحصول عليها قانونيّا فإنّ أودّ تذكيرك بما "قالوا قديما" بحقّ وحقيقة وهي مقولة :" إذا أردتَ أن تطاع فاطلب المستطاع " لذلك كان عليك ونحن في موضوع انتخابات أن تطلب من المرشّحين وخاصة من المرشّح الأوّل الذي تحوم حوله الشبهات أن يقول للناخب من وراءه ومن أين أتي بالأموال حتّى يحرّك بها مثل هذه الماكينة الانتخابيّة ومن دفع للشركة العالميّة "كنبريدج أنالتيك " التي استعملت أحدث التقنيات لبروز هذا المرشّح وما هو برنامجه الحقيقي لأنّ ما يوّج اليوم على أنّه برنامجه يُزْعجنا ويخيفنا ويجعل مجتمعنا ليس في مأمن من هزّات قد تطيح بكلّ مكاسب الحداثة فكَشْفِ هذه الحقائق هو وحده القادر على إيقاف القيل والقال وها أنا أنصح به المرشحين وخاصة المرشّح الأوّل. وفي الأخير واحتراما لك فسوف لن أستشهد بالآية السادسة من سورة الحجرات بل سأكتفي بالآية 119 من سورة النحل حيث يقول تعالى :" ثمّ إنّ ربّك للذين عملوا سوء بجهالة ثمّ ثابوا من بعد ذلك وأصلحوا إنّ ربّك من بعدها لغفور رحيم " .ورغم أنّي- متيقّن أنّ الضَرَرَ الذي أردت إلحاقه بالمرشّح الثاني لم يكن عن "جهالة" بل كان عن تدبير مسبق وهو في سياق خطّة بدأت تظهر للعيان - فإنّي أطلب لك المغفرة من العليّ القدر