لا شك ان التونسيين قد اجمعوا تمام الاجماع انهم قد عاشوا تجربة مريرة مع نواب الشعب في البرلمان الذين اختاروهم بعد الثورة فرحين مسرورين ومعتقدين انهم سيحققون لهم في مدة نياباتهم ما كانوا يرجونه من الاستقرار والرقي والأمن والأمان ولكنهم روا منهم من عجيب التذبذب ومن فظيع الصراع ومن شؤم الخلاف ومن غريب السياحة الحزبية ومن حدة الخصام ومن خبث (التكنبين )ومن عنف الضرب على الحزام ما لم يكونوا يتصورونه وما لم يكونوا يتوقعونه حتى في اسوا انواع الرؤى واردا انواع الأحلام ... ولقد تحدث ولقد حلل الكثيرون اسباب كل ما وقع وكل ما حصل و لقد قدم كل منهم ما شاء الله من الكلمات والعبارات ومن الجمل ولكن لا اتذكر ان احدا منهم قد اشاراو قد تنبه الى سينات وهنات وسقطات النظام النسبي للانتخاب الذي اختاره المجلس التاسيسي والذي افرز وجود وحضور كل تلك الكتل الحزبية في ذلك البرلمان او في مجلس النواب ووقوع كل تلك الخلافات والصراعات متعددة الاشكال والأنواع والألوان والأبواب... ولقد تذكرت في خضم كل ماعاشه التونسيون من تلكم الخيبات ومن الهزات ومن الشطحات في مداولات وفي نقاشات وفي حوارات كتل احزاب مجلس النواب ما كتبه عباس محمود العقاد منذ سنوات عن مساوئ هذا النوع النسبي الذي اختاره نواب التونسيين من بين انواع الانتخاب ورايت ان اذكره للقراء حتى يعرفوا الاسباب الحقيقية الكامنة وراء ما وقع فيه مجلس نوابنا من الصراعات ومن الصدامات ومن الاختلافات التي شككت التونسيون في قدرة هذا المجلس على حل مشاكل التونسيين فضلا على ان يوجهم وان يحملهم على اتباع السبيل الناجع السليم النافع المبين... يقول العقاد رحمه الله في فصل تحت عنوان (في انظمة الانتخابات) عقده في كتابه( بين الكتب والناس)(...هذا النظام النسبي الحزبي من احسن الانظمة اذا كان الغرض من الانتخاب تمثيل الناخبين جميعا في كراسي البرلمان ولكنه نظام معيب كثير المساوئ والأضرار اذا جاوزنا هذا الغرض الى تحقيق الحكم النيابي الصحيح فمن مساوئه الكبرى انه يشجع على تعدد الأحزاب ويفتح ابواب الخلاف التي يمكن ان تحسم بغير هذا النظام فاذا كانت هناك دعوة شاذة تعرض عنها الأمة بجملتها يتعلق بها آحاد متفرقون هنا وهناك في عامة انحاء البلاد فقد يعدل اصحابها عن شذوذهم ويتجمعون حول راي واحد متقارب في وجهات النظر اذا علموا انهم ضائعون بين غمار الناخبين ولكنهم يتشبثون بهذا الشذوذ متى استطاعوا ان يحصلوا على كرسيين او ثلاثة كراسي قد يكون لها الفعل الحاسم في الموازنة بين الاحزاب الكبيرة فلا يسهل حسم الخلاف بين الآراء المتشعبة كلما بدرت منه بادرة على وجه من الوجوه...ومن مساوئ النظام الحزبي النسبي انه يقطع الصلة بين النائب والناخبين فانهم ينتخبون حزبا يعرفون أعضاءه بالأسماء من بعيد ولا يلزم ان يعرفوهم معرفة التجربة والمعاملة وليس انقطاع الصلة بين النواب والناخبين محققا لمعنى الإنابة والاختيار او موافقا للغرض الأصيل من الانتخاب وربما كانت السيئة الكبرى لهذا النظام انه يمحو استقلال النائب امام حزبه الذي رجع اليه الراي في الترشيح ...) رحم الله العقاد فقد فهم وكتب وحذر فاصاب منذ سنوات في بيان وتعداد مساوى النظام النسبي للانتخاب الم يؤد هذا النظام في بلادنا الى تعدد مهول عجيب مقرف مضحك للاحزاب حتى اصبحنا نظن ان كل يوم يمر علينا من الأيام سينشأ فيه حزب قد جمع حوله بضعة افراد قد لا يزيد عددهم عن حارة او حويرة يعدون ويبشرون التونسيين بانهم اذا انتخبوهم سيحققون لهم ما اشتهوه وما لم يشتهوه من الرؤى ومن الاحلام المعسولة اللذيذة الكثيرة؟ الم يساهم هذا النظام الانتخابي النسبي في كثرة الخلافات بين النواب حتى اصبحنا نصدق ان يختلفوا يوما حول مفهوم وموضح الباب والمحراب؟ الم تكثر بين نواب الاحزاب الدعوات والمقترحات الشاذة الغريبة التي قد يكون وراءها اذا استجيب لها الف مصيبة ومصيبة؟ الم يكبل هذا النظام النسبي للانتخاب العديد من النواب المنتمين للاحزاب وجعلهم عبيد ا لاحزابهم حتى لو تاكدوا انها قد خالفت الحقيقة وجانبت الصواب؟ من اجل هذه الأسباب فشل في بلادنا النظام النسبي للانتخاب كما ذكر ذلك العقاد الذي فكر وادرك بثاقب عقله الحقيقة والصواب ومن اجل ذلك اقول واكاد اجزم في ما اقول انه مهما كانت نتيجة الانتخابات التشريعية التي تدور اليوم والتي تتنافس فيها كل هذه الأحزاب فان العقلاء لا يرجون من ورائها خيرا ثابتا مؤكدا للتونسيين وانما سيكون الخير كل الخير ان وجد فعلا للاحزاب وللنواب الفائزين وازيد فاذكر ذلك المثل الحكيم الناصح (لوكا ن جا فالح راهو جا من البارح) كما اقول واذكر بقول ذلك التونسي المجرب الحكيم النبيه(اذا كان نصحك الجربي راهو شطر النصيحة ليه) ولكن هذا لا يمنعنا ان ندعو الله فنقول اللهم أصلح أحوال التونسيين واحفظهم من كيد الخائنين الضالين وأخرجهم من كل كرب ومن كل بلاء ومن كل فتنة سالمين غانمين ولا حول ولا قوة الا بالله رب العالمين.