في قراءة أولى للنتائج غير الرسمية للانتخابات البرلمانية تحضرني مقولة تقول " خرج الحصان للحرث و خرج الحمار للسباق فخسرنا المحصول و السباق " تقريبا هذا ما حصل في قراءة أولى للنتائج التي كان فيها للناخب الكلمة الفصل و الكلمة الأخيرة رغم كل ما يقال عنه و هو بالتالي اللاعب الأبرز في كلّ عملية سياسية و يبعث من خلالها رسائل معبرة جدا و ما على السياسيين إلاّ قراءة فحواها بعد فكّ طلاسمها و شفرتها لأنّه للأسف الشديد اعتقد السياسيون خطأ و أنّ هذا الناخب هو الحلقة الأضعف في العملية الانتخابية و ببعض معسول الكلام أو ببعض المال أو ببعض الكذب و النفاق و الوعود الكاذبة و ببعض الصور الاستعراضية و "السلفيات" قادرا أن يستميله إلى حلبته و يقنعه بترهاته السخيفة. هذا هو الشعب التونسي سواء عبر التصويت أو بعزوفه قال كلمته و بيّن للكلّ و أنّه مالك لهذه الأرض و لهذا الوطن و ليس عابر سبيل.بل بيّن للجميع و أنّه الرقم الصعب في كل قرار في هذا الوطن العزيز. و كقراءة أوّلية لهذه النتائج سنعتمد فقط على موقف الشعب التونسي من الطبقة السياسية منذ " الثورة " نفك بعض طلاسمها التي و كأنّها تقول على لسانه : *جربناك يا حزب النهضة طيلة ما يزيد عن 8 سنوات و لم نجن سوى الريح و اتدهور الأوضاع على كلّ المستويات، سياسيا : المحاولات المتعددة لفرض نمط معين لا علاقة له بالمجتمع التونسي فضلا عن تكريس فكر الغنيمة لفائدتكم ، اجتماعيا تدهور اجتماعي لم تعرفه البلاد و اقتصاديا المسألة لا تتطلب مزيدا من التوضيح و بالتالي عقابنا كان جلّيا و موقفنا كان واضحا و تجلّى في هبوطكم الاضطراري في عدد المقاعد بالبرلمان إلى نصف العدد مقارنة مع الانتخابات السابقة و بالتالي لو لا انضباتكم الحزبي و المخزون الانتخابي الهزيل المتبقي لديكم لخرجتم من الباب الصغير صاغرين.. *اليسار التونسي و في أغلب مكوناته ناله شرّ هزيمة فلا نفع حمّة و مقولاته و صولاته و جولاته و لا نفعت " لو كان جاء فالح راو من البارح " و لا نفع فيها الصوت العالي لمنجي الحرباوي في البرلمان و مواقفه الجريئة و المدوية و لكن كشعب نقول لكم أنتم من أقصيتم أنفسكم بالتكالب على الزعامات و استفحال هذا المرض العضال بينكم فقسمتم المقسم و جزأتم المجزء و ساهمتهم بوعي أو بدون وعي على القضاء على فرصة البروز كبديل سياسي من لون مغاير للبلاد و بالتالي كان جزاءكم جزاء السنمار فاندثرتم هباء للأسف الشديد و لكن يبقى الأمل قائما في استخلاص العبرة و ربما العودة للساحة بأكثر وعي و أقل نرجسية. *بقية الأحزاب التي برزت منذ الثورة كالنداء و البديل و التكتل و المؤتمر و تيار المحبة و غيرها تمّ كنسها بطريقة مهينة و لم تتحصل حتّى الفتات لأنّها أتيحت لها الفرصة لأكثر من 8 سنوات و لم تبرهن على قدرتها لنقلة نوعية لما يعيشه وطننا العزيز من مصائب و مطبات وصلت إلى درجة تفشي الارهاب و عودة الأمراض التي خلناها لا و لن تعود مجددا فضلا عن تدهور بقية المكاسب مثل التعليم و الصحة و سيادة البلادة و منزلتها على المستوى الدولي و الانفلات العام الذي عاشته البلاد زمن حكمهم وصلت إلى حدّ انتشار الجريمة و المخدرات و التجارة الموازية و كلّ هذا أتت ترجمته في النتائج الانتخابية المعانة بصفة غير رسمية و السبب الرئيسي اكنس هذه الأحزاب زيادة لما سبق ذكره فهي لم تولي الاتصال المباشر مع المواطن و الاطلاع على حقيقة أوضاعه و اتخاذ ما يلزم لإصلاح ما أفسده الدهر و الفقر في حقهم و الاكتفاء بالتنظير و البلاطوهات و النزل و المنابر الاعلامية و كأنّها المواطن في حاجة لمزيد من الكلام و السفسطة لتحقيق انتظاراته و بالتالي شيّد بون شاسع بين هذه الأحزاب التي كانت تعتقد و أنّها البديل الجديد للارتقاء إلى دفة الحكم و بالتالي لتسيير البلاد متناسين في كلمة وجيزة مقولة " اللي يحسب وحدو يفضلوا ". *أمّا الأحزاب التي وافقها الحظ فهي أحزاب متناقضة في أدبياتها و توجهاتها فلا النهضة يمكنها أن تلتقي مع قلب تونس و لا النهضة أيضا يمكن أن تتحالف مع الحزب الدستوري الحر و لا النهضة أيضا يمكن أن تكوّن جبهة مع التيار العروبي القومي و لا حتّى مع التيار الديمقراطي و ربما يبقى الأمل لها في ائتلاف الكرامة و توابعه أو بعض المستقلين الذين لم نعرف بعد توجهاته بالتالي نحن أمام فسيفساء متنافرة و متناقضة و لكن السؤال الأبرز هل هذا الوضع يخدم مصلحة البلاد و العباد و يخرجنا بالتالي من عنق الزجاجة الذي تردت في تونس أي هل خسر الوطن المحصول و السباق أم رسخ المسار و الاستحقاق و لكن في السياسة لا صداقة دائمة و لا كره أيضا و المصلحة هي الأساس؟؟