(صام وصلى لامر كان يقضيه فلما قضي الأمر لا صام ولا صلى) لقد حضرني هذا القول الحكيم القديم وانا اقرا عن امر ذلك الرجل الذي خسرت قائمته الانتخابية في احدى الولايات ولم تتمكن من الحصول على مقعد مريح في البرلمان وكان قبل ذلك قد تبرع بمواد بناء للمساهمة في بناء جامع يؤمه عباد رب الأرض والسماء ولكن لما خابت قائمته وأدركها الخسران طالب باسترجاع ما تبرع به من مواد البناء وكان شيئا لم يكن وكان شيئا ما وقع وكان شيئا ما كان...هكذا تكون دائما نتائج الانتخابات فهي تفضح الكثيرين من المترشحين ومن المترشحات...وانني اذكر انه منذ سنوات وعندما كنت طالب علم في احدى الكليات انتظمت في كلياتنا انتخابات المجلس العلمي ففاز احدهم اثرها بمقعد وثير في هذا المجلس المحترم الكبير ولما جاءت صبيحة الفوز وسطعت شمس الانتصار مر امامنا هذا الطالب الفائز المنتصر في كوكبة من اصدقائه المقربين ولم يلق علينا التحية الاسلامية العادية التي كان يلقيها علينا يوميا كل صباح قبل صدور نتائج هذه الانتخابات بلسان فصيح وبوجه مشرق منيروضاح فما كان مني وانا المعروف بانني لا اعرف النفاق او المجاملة الا ان توجهت اليه بصوت مسموع قائلا على مراى وعلى مسمع ممن كان حاضرا معي ومعه من الجموع(السلام عليك يا امير المؤمنين) ففهم سريعا مقصدي وادرك غايتي الخفية من هده التحية المريبة الملغمة الصباحية وجاءني مبتسما مسرع الخطى وعانقني معتذرا لما وقع منه من السهو ومن الخطا فقبلت اعتذاره بمثل ابتسامته ولم ازد على ذلك في الرد عليه وفي اجابته ثم قلت في نفسي وقد توارى عني وغاب عن العيون اني صاحبنا معذور وغير ملوم فنتائج الانتخابات عادة امرها غير ممدوح وغير مامون فالمنتصر قد يغير بعدها عادة الا ما رحم ربي الكثير من سلوكه السابق السليم مزهوا بانتصاره عن غير قصد وعن غير شعور والمنهزم فيها قد يقوم عادة بتصرفات وافعال تفسر بكل وضوح انه غاضب وحاقد وحزين ومهموم بعد ما حصده فيها من الخيبة ومن الانهزام ولذلك يبتعد العقلاء الحكماء عادة عن الجري وراء المناصب والحرص بكل الطرق على ضمان صوت الناخب لما يعرفون ما سيحصدونها من وراء ذلك من المتاعب ومن المصائب...ولا يفوتني في الختام ان ارجو من الذين انتصروا في هذه الانتخابات التشريعية الحالية ان يواصلوا في كرمهم وفي سخائهم الذي صبوه واغدقوه وانعموا به فجاة على الفئات الضعيفة الاجتماعية التي سارعت الى التصويت لهم في هذه الانتخابات كمكافئة لهم على ما انفقوه من اجلها من الاف وملايين الدينارات ...ولكنني كم اخشى كل الخشية ان يتخلى هؤلاء الفائزون فيها سريعا عن هذا الكرم وعن هذا السخاء الذي نزل فجاة من السماء وقد حققوا من ورائه مرادهم بلا جدال ولا مراء وقد صدق والله ذلك الرجل المسكين الذي كان احد المرشحين للانتخابات لا يلتفت اليه يوما بشيء من البر ومثله من الاحسان ثم ولما قرب موعد الانتخابات اصبح يزوره ويكرمه ويقول له اطلب ما تشاء وانا ساستجيب وسالبي يا ايها الرجل ويا ايها الصديق القريب من روحي ومن قلبي فيقول له ذلك المسكين ويساله وهو باهت في عجب ربي (سبحان ربي مغير الاحوال واش لم الشامي على المغربي)؟