لبنان ملجأ الحرية والديمقراطية والسلام تهب عليه هذه الأيام رياح التغيير التي خرجت من تونس التي انتفضت على الدكتاتورية وكان شعارها الشعب يريد. لقد اراد الشعب ذلك بالصندوق وعبر الانتخابات التي صعدت للرئاسة أستاذ في القانون الدستوري لم يكن معرفا في الأوساط السياسية ولكن الشباب بايعوه لثقتهم فيه. لم تنته القصة في تونس لان سلطات رئيس الجمهورية محدودة ولا يمكن له تنفيذ برنامجه، الذي لم يعلنه بعد، الا بواسطة مجلس النواب الذي تم انتخابه قبله بأيام، وما زال يشتمل على بعض من رموز الفساد المحتمين بالحصانة في البرلمان. أنا على يقين من وجوب تطهيره حبًا او كرهًا لتستقر الثورة الثقافية الجديدة وتفعل فعلها بوسطة حكومة منسجمة مع مطالب الجماهير التي باتت تعرف الطريق وتحارب بديمقراطية الصندوق بعدما أعيتهالطرق الأخرى للاحتجاج. تأكدت الثورة من سلامة المسار الذي جربته في رئاسة الجمهورية، ونجح بنسبة أقل في انتخابات مجلس النواب، أين تمكن البعض من بقايا النظام السابق من المرور اليه بواسطة حزب تشكل على إنقاذ جمعية بر وإحسان استعملها صاحبها بالتحيل مخالفًا بذلك مرسوم الأحزاب الذي لم تطبقه عليه رئاسة الحكومة لأنها لم تقدر بسبب الدعم الذي كان يحظى به رئيسه من اعلى سلطة في البلاد انتهت بعد وفاة رئيسها من أيام. ومثل ذلك تسرب لذلك المجلس عدد من بقايا التجمع المنحلبالقضاء تحت غطاء وإسم مستعار. لم تدرك الطبقة السياسية عندنا أن العالم تغير ودخلنا في قرن جديد بات فيه الشباب يمسك بالوسائل العصرية وقد انتظروا منا أن نفهم ولكننا لم نفهم أبدا. قلت ان لبنان الذي كان واحة حرية وتسامح وسلام على مر السنين والأيام، هبت عليه رياح تونس بعدما هبت على عدة بلدان عربية أخرى ارتدت منها مصر على سبيل المثال، وسلمت أمرها للعسكر من جديد ولم يستقر فيها الوضع إلى الآن وباتت تعيش تحت الحصار. أما الجزائر فما زال شبابها يتظاهر سلميا لأكثر من نصف عام ولم يتعب، وتوصل لإجبار رئيسه المقعد منذ سنين على الاستقالة، ومازال يطالب بإقالة المنظومة القديمة التي استمرت تحكمه بالحديد والنار لأكثر من ستين عام، وبقي قائد الجيش يماطل ويناور، ولكن ذلك لن ينفعه وسوف ينتهى وجوبا إلى القبولبإرادة الشعب الذي استفاق وحافظ على نسق التظاهر السلمي بكل اصرار. أما السودان فقد تخلصت من حكم البشير وتوصل شعبها لحل مؤقت مع العسكر بعدما أنهك بتكرار التظاهر وقبل اخيرا بمقاسمة الحكم، ولكنه لم يسلم الرئيس السابق لمحكمة الجزاء المطلوب اليها بعد الإبادة الجماعية التي نفذها بدارفور. لكن الذي يحصل في لبنان فإني أراه آخر إنذار للبلدان النفطية التي باتت تضع انفها ضد إرادة الشعوب التي تطوق للحرية والاستقرار ظنا منها بان ذلك سيجنبها التغيير الآتي اليها من كل مكان. كان على تلك البلدان السعي لتغيير نفسها بنفسها وتسبق الأحداث،وإلا سوف يفاجئها التغيير الذي وصل للبنان، ذلك البلد الذي كانت تعتبره متسعا حيويا لها، واتخذته منصة للإعلام الذي كانت تروج بواسطته ما تريد من أفكار، ولكنه بات الباب الذي ستنتقل منه الحرية والتغيير وسوف تؤكد ذلك الأيام. وخيرًا أقول بأن بذل أموال البترول في التسليح والحروب التي ليس منها لزوم في اليمن وسوريا وليبيا والصومال وغيرها من البدان لن تمنع التغيير الذي انطلق من تونس ومازال. يسير بسرعة كالقطار. تونس في 19 أكتوبر 2019