جملة (الهانة ورقود الجبانة) جملة يقولها عادة كبار وقدماء التونسيين منذ زمان ومنذ قرون للتعبير عن امر اغضبهم واضجرهم وحيرهم واقلقهم و خاب فيه ظنهم وعن شيء لم يحققوابه او فيه رجاءهم واملهم ولا هم يحزنون ولقد وجدتني اقول واردد في نفسي هذه الجملة وانا اتابع سيناريو مسلسل و احداث واخبار تطورات مسار تشكيل الحكومة الجديدة الموعودة المرتقبة التي نرجو ان يحسم امر تشكيلها في القريب العاجل ان شاء الله بسلام ودون حصول ازمة اوحدوث نكبة او شيء لا قدر الله لا يرتجى ولا يرام..ولكن ومع الاسف ومع الحزن ومع الألم الشديد قد ثبت وقد تاكد لدى المتابعين العقلاء لاطوار وتقلبات ومناورات وشطحات وتصريحات اغلب الأحزاب والحركات السياسية الممثلة في البرلمان ان امر تشكيل هذه الحكومة بخير وسلام اصبح امرا صعبا او بعيدا او مستحيل المنال فكل هذه الأحزاب وكل هذه الحركات على اختلاف مشاربها واتجاهاتها دون استثناء تتعامل مع بعضها البعض بخوف وتوجس وريبة وشكوك وحذر ان يستاثر واحد منها بالقسط الاوفر من المناصب الوزرارية وان ياكل وحده او اكثر من غيره من تلك الكعكة الكبرى الطرية الشهية في الحكومة المقبلة ولا يترك لغيره المتنافسين عليها سوى شيئا ضحلا ضئيلا من القش ومن الجير ومن الحجر ولقد ثبت ايضا ان جميعهم ناسون وغافلون ان الشعب المسكين الغلبان الكحيان ينتظر على احر من الجمر ماذا سيقرر واين سترسي سفينة وباخرة هؤلاء الأحزاب المتفاوضين والمتصارعين وماذا سيفعلون؟ والأغرب من ذلك كله ان هذا الشعب المسكين يسمع كل يوم عن معاهدة وعن اتفاق وقع بين بعض هذه الأحزاب ثم سرعان ما يسمع عن نكوص وعن تراجع وعن غضب يفسد ويبطل هذه الاتفاقات و ينسفها ويحرقها بالكبريت وبالحطب...ولقد كنت اضحك في سنوات سابقة قريبة على مثل هذا الأمر السياسي الخلافي المنسوب الى نظام الديمقراطية اذا رايته قد حصل في برلمانات بلدان اخرى اجنبية وما كنت ادري وما كنت اتوقع ان يقع مثل ذلك في بلادي التونسية فقد كنت اقول ان تونس التي عاشت فترة لا باس بها تحت سقف وتحت مظلة الدكتاتورية ستفرح وتسعد بعد ثورة عفوية جاءتها بنظام الديقراطية الذي كانت تشتهيه وتتمناه منذ سنوات كثيرة نضالية ولكن يبدو ان الديمقراطية كانت لقمة اكبر من افواه السياسيين التونسيين الذين اثبتوا فعلا انهم مازالوا عن اصول ومبادئ ومقاصد هذه الديمقراطية بعيدين غافلين بعد السماوات كما يقولون عن الارضين ...وانني لاعلم علم اليقين ان هناك من سيردون علي وسيقولون ان التونسيين مازالوا يعيشون المراحل الأولى التجريبية من نظام الديمقراطية وعليه فانني ساجيبهم فاقول قد يكون هذا الكلام صحيحا اذا كان السياسيون التونسيون المتصارعون والذين كثروا هذه السنوات الأخيرة كتكاثرالذباب و الفقاع في كل بحر وفي كل سبخة وفي كل قاع من ذوي النفوس الزكية الصالحة المستقيمة ومن ذوي النوايا الحسنة الطيبة السليمة اما اذا اكدوا يوما بعد يوم انهم من غير تلك الطينة ومن غير تلك العجينة وان غايتهم الأولى والاساسية هي الوصول الى المناصب والى الرتب العلية فلا تنفعهم ولن تنفعهم ابدا هذه الديمقراطية التي سقطت عليهم ذات يوم فجاة من السماء وعلى عجل والتي ثبت انهم لم يستعدوا لها بما يجب وبما يكفي من العلم ومن التربية ومن الكد ومن العمل ...وختاما اذا كان المثل التونسي القديم يقول ويحذر منذ زمان اولي العقول والألباب بكامل الحكمة وبكامل الصواب(من لم يتعود على شم البخور يحرق ما فوقه من الثياب) فانني اقول واسال وهل ستنجح الديمقراطية يا اولي العقول ويا اولي الألباب اذا كان الداعون اليها والمتشدقون بها والمروجون لها يبحثون فقط عن منصب الرئاسة وكراسي الوزارات وغيرها من المناصب ومن الرتب ومن الالقاب؟ ولكم اخشى والعياذ بالله ان تعم الخسارة الجميع بتواصل هذا الخلاف وهذا الصراع وهذا الشقاق وان يندموا عندما لا ينفع الندم على التفريط في ضرورة التقارب ووجوب الاتفاق وهم يرون البلاد لا قدر الله ذات صباح او ذات مساء وقد احاط بها وقد اقتحمها الأعداء المتربصون من كل جانب وهم من كل حدب ينسلون وما مثل القطر الليبي منا ببعيد لمن اراد الحجة وطلب الدليل الثابت الأكيد.