لا حديث هذه الأيام إلّا على عدم رضا النهضة على حكومة "الجملي" وهو هجوم معاكس منها يدلّ على قدرة "إيطاليّة" في عكس الهجوم عند النهضة، ذلك أنّ من مميّزات الكرة الإيطاليّة هو إحكامها لعب الهجوم المعاكس والنهضة عكست الهجوم باقتدار في الدقيقة تسعين وذلك بينما كان كلّ الشعب التونسي يترقّب أن تجتمع الجلسة العامة على أقصى تقدير يوم الثلاثاء 7جانفي لكن بدأت الحركة بالإعداد والترتيب للهجوم المعاكس بأن أجّلتْ الجلسة العامة ليوم الجمعة أي تركتْ لنفسها متّسعا من الوقت لحبك هجومها ثمّ دخلتْ في "مَعْبُوكَتِهَا" التي صارت لا تغيب على الشعب التونسي... فتتالتْ التصريحات من رأس النهضة إلى بعض أجنحتها إلى أن كانت الخاتمة مع مجلس الشورى حيث التقى جميعهم حول رأي موحّد هو أنّ هذا الحكومة هي حكومة الجملي وأنّه لم يأخذ برأي النهضة وقد أسقط الأسماء التي اقترحتها عليه لذلك فهي تطالب بتعديل تركيبة الحكومة وهذا رأي الغنوشي ورفيق عبد السلام والهاروني نيابة على كلّ هياكل النهضة التي تأخذ فيها القرارات بصورة ديمقراطيّة جدّا، وبذلك عكست النهضة الهجوم على كلّ من قال أنّ هذه الحكومة هي حكومة النهضة بامتياز وقدّمت على أنّها حكومة كفاءات مستقلّة. وبعد محاولات من مقدّمي بعض البرامج في موزايّيك والحوار التونسي استطعنا أن نعرف ملامح هذا التعديل المطلوب من النهضة فهو لا يمسّ وزارتي الداخليّة والعدل لأنّ بالنسبة لهاتين الوزارتين قد حصّل فيهما ما في صدر النهضة. ذلك أنّ مصلحة تونس وكلّ ما تبديه النهضة من غيرة على هذا الوطن وحبّا له و انشغال على وضعه ووضع الشعب التونسي يأتي مباشرة بعد حبّها وغيرتها على هاتين الوزارتين اللتين لا تستطيع فراقهما إذ الألفة التي بينها وبين هاتين الوزارتين لا يقطعها إلّا حبل المنون. وهذا نعرفه معرفة جيّدة وقلنا للتيار عندما طالب بهاتين الوزارتين إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع. وظنّنا أنّ الله كفى المؤمنين القتال وأنّ النهضة قد ضمنتْ ما لا حياة لها دونه "الداخليّة والعدل".... ونحن وكلّ الشعب التونسي يعرف اليوم أسباب التمسّك بهذين الوزارتين وهي باختصار شديد ملفّات يجب أن تواصل نومها في رفوف الوزارتين، وخيوط سوف تحبك لكلّ مناور للنهضة سيكون منطلقها من هاتين الوزارتين الأولى تحيّ والثانية تزكي فإذا الأمر مقضّي. لكن الجديد الذي خرجتْ به علينا النهضة هو أنّ وزارات أخرى لا يمكن للنهضة أن تحكم دونها و قد عبّر كلّ من الهاروني وصهر الغنوشي على أهمّية وزارة "تكنولوجيات الاتّصال" ورأوا في إزاحة "أنور معروف" منها من الأمور التي لا تقبل إذ أنّ نجاحه لا خلاف حوله وأنّ عدم وجوده على رأس هذه الوزارة يعتبر من العبث المضرّ بمصلحة تونس التي لا يمكن للنهضة أن تتلاعب بها معنى هذا باختصار شديد تشكيلة وزاريّة دون أنور معروف لا تقبلها النهضة. هذا ذكّرني بطرفة بليغة وحكمة عميقة تتمثّل في أنّ الرعيّة ضجّوا من مظالم يهودي كان على رأس بيت المال في مصر فاشتكوه للخليفة الذي طالب من الوالي إعفاء اليهودي فردّ الوالي مبيّنا قدرة اليهودي على التسييّر وأنّ بيت المال وهي بين يديه تسير على أحسن ما يرام وغير ذلك من التبريرات فما كان من الخليفة إلّا أن أجابه برسالة تضمّنتْ هاتين العبارتين "مات اليهودي" لنترك الآن أنور معروف متمنين له السلامة فهو شاب في مقتبل العمر وننتقل لوزير آخر تنطبق عليه هذه الطرفة فقد" نُفِخَ في صًرَّة" هذا الوزير وكأنّ تونس الولّادة التي تخرّج من جامعاتها آلاف الكفاءات القادرين على تسيّر الجامعات وأكبر المؤسّسات لم ينجحوا في تسيّر هذه الوزارة حتّى فتح الله على تونس بهذا الوزير في حين أنّ هذه الوزارة عرفت ازدهارها منذ الاستقلال وحقّقت نتائج ما زلنا نلهثُ وراء الوصول إليها وقد ترأّس أحد وزرائها المنظّمة العالميّة في اختصاص هذه الوزارة والتي أصابها بعض الركود لأسباب معروفة للجميع وكان من المتوقّع أن تستأنف عافيتها مع استقرار الأوضاع وهذا ما وقع فعلا...لكن ولأسباب متعدّدة يصعب تحليلها في هذا.