اليوم وتونس على شفى حفرة الانهيار المادي والمعنوي الذي كاد يتفق عليه كلّ التونسييّن الخبراء منهم بوسائلهم العلميّة والمواطن العادي بوسائله اليوميّة فهو يكابد يوميّا غلاء الأسعار وتدنّي خدمات الصحّة والنقل والتربيّة والتعليم فكلّ المؤشّرات ترسل الإشارات الحمراء المعلنة على أنّ الخطر داهم هذا من الناحيّة الماديّة أمّا من الناحيّة المعنويّة فإنّ القلق والحيرة مسيطرة على حياة الناس للتدهور الأخلاقي البارز في كلّ مظاهر الحياة وصار غير مخفي على أحد، فيكفي كدليل ما يحصل في مجلس النوّاب وعلى شاشات التلفزات الخاصة من انحطاط في القيم لنعرف ما وصل إليه وضعنا الأخلاقي السلوكي من وضاعة وانحطاط، أمّا السرقة والسلب والبراكاجات وغياب الأمان والفساد وضياع الضمير المهني وتعطّل مرفق القضاء ومحاولات السياسييّن وضع اليد على مؤسّسات ودواليب الدولة لتحقيق مغانم حزبيّة أو شخصيّة..فحدث ولا حرج. وإنّي أطلب الإجابة الموضوعيّة عن : فما الفرق ما بين ما قبل وما بعد 2011 وأيّ الفترتين أتعس؟ هذا باختصار شديد وضع بلادنا اليوم والخلاف الوحيد التي يثار حوله هو هل لنا منه مخرجا أم لا؟ وفي ما عدا ذلك فقد قضّي الأمر والحمد لله. وإنّي سأوظّف هذا الخلاف وأكون متفائلا و أنحاز لرأي الذين يرون أنّ إنقاذ تونس ممكن إذا أسرعنا في الإصلاحات الضروريّة التي دونها سوف يزداد وضعنا تعكّرا وسوف نصير إلى ما لا يحمد عقباه .لكن هذا متعلّقا وبالضرورة بالاتّفاق على حكومة في هذا الفسيفساء من النوّاب الذين أنتجهم قانون انتخابي هجين وضع للتلاعب بمصير البلاد من قبل "سيّد نفسه" إبّان 2011 عندما ظنّ البعض أنّهم افترشوا جزء من تونس وتغطوا بالجزء الآخر وهذه قضيّة أخرى كما يقال .... والآن وقد آل أمر هذه الحكومة في مرحلة أولى إلى رئيس الدولة قبل أن تعرض على البرلمان، وقد حصل هذا بعد إضاعة الكثير من الوقت الثمين في المشاورات والتجاذبات التي أنتجتْ مشروع حكومة من لون واحد على قاعدة «أشرب أو كسّر قرنك» والحمد لله أن رفض النوّاب على علّاتهم - هذه الحكومة التي بكلّ اختصار كانت ستُرجع بالبلاد إلى أجواء «الترويكا» بضلع واحد. والذي يهمّ المواطن التونسي اليوم هو أن يختار رئيس الجمهوريّة بكلّ حياديّة وبكلّ تروّي وبعيدا عن التأثيرات الجانبيّة التي تطلّ علينا من حين لآخر من قصر "قرطاج" وأن يفكّر قبل كلّ شيء في مصلحة تونس وشعبها وأن يضع نصب عينيه أنّ مصلحته في مصلحة تونس وأن لا يقع في ما وقع فيه الأسد مع الحمار. فما حكاية الأسد مع الحمار؟ لقد ذكّرني في هذه القصّة الشعريّة اللطيف في أسلوبها العميقة في معناها الأخ "محمّد بوغلاب" وهي لأمير الشعراء أحمد شوقي وحيث أنّها تتلاءم مع وضعنا الحالي ونحن نترقّب تعيّن رئيس حكومة من قبل رئيس الجمهورية رأيت أن أسوق ما تيسّر منها للقراء أوّلا للتندّر والتفكه في هذا الزمن الذي عابت فيه الضحكة التلقائيّة عن شفاهنا وكذلك للاعتبار والتحذير لمن مصيرنا اليوم بين يديه . يروي شوقي شعرا أنّ أسدا القفار والصحاري عندما أُعْلِم بموت وزيره وطلب منه الوحوش تعيّن خلفا له أجابهم : قال الحمار وزيري قد مضَى بهذا اختياري فاستَضْحَكتْ وقالت ماذا رأى في الحمار ويواصل شوقي واصفا شعرا كيف انهار ملك الأسد وصار إلى دمار وقد رسم صورة كاريكاتوريّة بديعة ليبرز هذا الإنهيار فقال كان القرد على يمينه الأسد والكلب على يساره والقطّ يلهو بعظمة فار وهو قمّة التلاعب بمصالح الدولة و فقدانها لهيبتها وهذه الحاشيّة هي من اختار الحمار الوزير وعندما غضب الأسد لما آلت إليه أوضاع مملكته وجد في من لا تخلو منهم بلاطات الملوك وهم الوشاة الذين قد تكون في وشاياتهم في بعض الأحيان مصلحة فكان ما يلي: فجاءه القرد سرّا وقال بعد اعتذار يا عاليّ الجاه فينا كن عاليّ الأنظار رأي الرعيّة فيك من رأيك في الحمار فهل سنجد في بلاط دولتنا "واش" يحبّ الخير لتونس وينبّه الرئيس ليكون "عاليّ الأنظار" أي له بعد نظر وقدرة على التميّز حتّى لا يكون-لا قدّر الله- مصير دولتنا كمصير ملك الأسد من جرّاء توزيره للحمار.