كثر الاخذ والرد، وكل يذهب بتحاليله للأوضاع، وتفسيره للأسباب من وجهة نظره، فمنهم من تأثر بتكوينه، ورجع الى اهل ذكره للاستدلال ببراهينهم، ومنهم من حاول ركوب القطار، حتى لا يفوته من يمثل الخط الثوري، ومنهم من يعاوده الحنين الى الرجوع الى انتمائه الى الحزب الاشتراكي الدستوري وهلم جر من التخمينات مما ادى الى الضبابية في الافكار واللخبطة في المواقف و اصبح المشهد السياسي، وخاصة منه النخبة بكل اصنافها، لا احد منها يذهب للتعمق في المواضيع الشائكة، ليقترح حلولا تمكن من تخفيف الوطء على المواطن، وتبعث فيه بريق من الامل المنشود، وان اختلطت النظريات في المناهج، واختلفت في الغايات، فالثورة تبقى على مر السنين ليست ملكا لاحد، والذي اخذ زمام الحكم اليوم، لا يعرف لمن سيؤول غدا، وهكذا دواليك، و لنذكر بأبيات من قصيدة ابو "البقاء الرندي"، في رثائه للأندلس، عند سقوط آخر اراضي المسلمين، لعلها ترجع الصواب لبعضهم، وتنير لهم السبيل، حتى يساهموا بقسطهم في الذود عن البلاد، ويشاركوا في تخفيف ما وصلت اليه من تذبذب في المسار، و من فقدان للمثالية في السلوك، ومن انانية مفرطة في الاستيلاء على النفوذ وشرايينه، ومن تفريط حتى الافراط، في الدفاع عن مصالحها الحيوية، ولا احد يستثنى من الاجرام، في حق شعب صنع بنفسه ثورة، بدون رموز، و حملها اماني في الشغل والطمأنينة والحياة الكريمة، على درب الحداثة السياسية، والنهوض من تراكم قرون من الجهل والغفلة، يريد بعضهم الاستمرار فيه، او الرجوع اليه، بازدواجية اللغة، والتنصل من المسؤولية، يقول الشاعر "هي الامور كما شاهدتها دول من سره زمن سلاءته ازمان يا غافلا وله في الدهر موعظة ان كنت في سنة فالدهر يقضان" بعثت مع الثورة، مئات الاحزاب، ومئات الجمعيات غاياتها غالبا، السيطرة على المقود، ولو ببث التفرقة والكراهية، ومواصلة التنكر الذي اتخذه اهل الانقلاب الطبي ومؤازريه، كسياسة للغنيمة، ووسيلة للدوام، فحاولوا النيل من ما بنته أجيال، وضحت من اجله، في اجتهاداتها لرفع راية تونس، وتنكروا له كمشروع انساني لا يخلوا من الغث والسمين، وللتاريخ وحده فيه الحكم للتجربة او عليها، وللمؤرخين ايضا، استنادا الى مراجعهم العلمية، والوثائق التاريخية القابلة للإثبات، والتي هي ادلة يمكن نقدها بكل حرية و نزاهة، ولا يمكن بأية حال جعلها هباء منثورا، أما الروايات الفردية، وما تتصف به من تمجيد للأنانية، ولنا من هذا النمط الذي تكاثر بعد الثورة، من كتابات السّير الذّاتيّة التي تخفي الحقائق، وللقارئ التمييز بينها، مقارنة بذكرياته، و ما عاشه في تجربته من قرب او عن بعد، ولن يجد القارئ في الكتابات من يروي نكسات الحكم، ولا التجارب الفاشلة، وكلّ من يدعي معرفة في السياسة، يتجاهل انها تقتضي المسؤولية والاستعداد للمحاسبة من حين الى آخر، يفاجئونا بعضهم بتصريحات اقل ما يقال فيها انها مشبوهة، دالة عن قلة وعي، وعدم عرفان بالجميل، فهذا المتطفل، الهارب من العدالة، والذي كان وزيرا مختصا في تزوير سيرته الذاتية، بدون كفاءة ولا قدرة، مثله كمثل الذي تحمل مسؤولية الرئاسة، بأصوات محدودة العدد، خدمة لمصالح غامضة، يكشفها التاريخ يوما ما، طال الزمن او قصر، وهذه المتطفلة فرنسية من الباب الاول، وما كانت أبدا من حرائر تونس، اذ سيرتها نكرة،... كلهم يتجنون على تاريخ تونس الذي يشهد له العالم انه في مجمله نير، وينزلقون الى مقارنات دنيئة، بدون وعي، وعن الغباوة في بلانا اليوم فلا تسأل، لقد انتشرت في ارجائها، بواسطة من لم يعش افراحها و لا اتراحها، هاجرها واعتنق مناهج اخرى، بنى عليها حياته، وعاد اليها اليوم صنديدا مناضلا، يتمتع بمستوى عيش لم يكن من المساهمين في حصوله، ولم يبذل في سبيله كغيره النفس والنفيس، ولا يمكن الحد من هؤلاء المتطفلين على السياسة، الا برحيل السماسرة، والرجوع في اقرب وقت ممكن الى الشعب، والى العدالة النزيهة، حتى يقول كل منهما القول الفصل، ويحكم على الشرذمة التي أتت من حيث لا ندري، وتقلدت المسؤوليات لقربها من دوائر الحكم، فخلفت الدمار في البلاد، واليأس في القلوب، والضغينة في السلوك، ولنرجع لفتح ارشيف الماضي حتى نعود بالمشهد السياسي الى مجراه الطبيعي، فالثورة قضية منهج، وطريقة حكم، ومسائلة دائمة لدور الدولة في ارجاع الثقة، وتلك هي مصلحة البلاد لا غير وكفانا التفتيش عن سائقي عربة بلادنا، وعن مهدي طال انتظاره، ولنهتدي الى التجربة الرصينة، كبعث فريق وزاري قليل العدد لا يتجاوز العشرون، همه البحث عن التوازنات الاقتصادية، مراعاة لمقتضيات الحياة الهنيئة، وما تطلبه من حقوق وواجبات، يرمي الى تحقيق خمس انجازات تنموية: التفكير ثانية في الجمهورية وتركيز مؤسساتها حتى تعني بحق ان السيادة للشعب- الاستمرار في تدعيم حقوق المرأة التي هي نصف المجتمع- اصلاح التعليم بأصنافه لان كل التحولات الذي يعيشها العالم لها علاقة بالتعليم وليت الجهود تتواصل وتتظافر بأقصى الطاقات ونحن على ابواب ثورة رقمية تمثل منعرجا حاسما في تاريخ البشرية- متابعة المشاريع التنموية في الجهات الاقل نمو- و اخيرا تحيين الخارطة الصحية و ما تستلزمه من تدعيم وتمويل والمنهج في ذلك اتباع ما اوصى به في ذكرياته المرحوم محمد الصياح طاب ثراه "نبني على ما هو ايجابي في تاريخ بلادنا ونتجاوز كل ما هو سلبي فيه"