احتضنت دار الثقافة ابن رشيق بالتعاون مع دار الثقافة ابن خلدون بالعاصمة ومدينة الثقافة فعاليات الدورة الثانية للأغنية الملتزمة من 1 إلى 6 فيفري الجاري باستضافة فرق موسيقية من فلسطين ولبنان وسوريا ومصر والمغرب وتونس وقد كانت هذه العروض الموسيقية فرصة للجمهور التونسي حتى يسترجع ذكريات الماضي الجميل مع هذا النوع من الغناء الملتزم بقضايا اجتماعية و سياسية وبقضايا الإنسان عموما و ليقف على القيمة الفنية لمثل هذا الفن الذي لقي رواجا كبيرا في بداية الثمانينات من القرن الماضي كشكل من أشكال التعبير على الرفض الاجتماعي ووسيلة من وسائل الاحتجاج السياسي والفكري الذي كان يلجأ إليه المواطن التونسي للتعبير عن إحاسيسه ومشاعره ومواقفه من عديد القضايا أمام المنع والصد الكبيرين اللذين كان النظام يستعملهما لضبط المجتمع والتحكم في أفراده . إن الغناء الملتزم هو نوع من الموسيقى التي تلتزم بقضية سياسية معينة والمشحونة بقضية اجتماعية تتعب الإنسان والحاملة لهم الإنسان في وطنه و في العالم فهي نوع من التعبير من خلال الكلمة الهادفة واللحن والأداء المميز عن قضية معينة فهي على خلاف الأغنية العاطفية أو العادية مسكونة بهاجس إنساني ومشحونة بمعان تلامس هموم الإنسان وحتى التغني بالحب وجمال المرأة يكون دوما في إطار الالتزام بالقضايا الأساسية التي ميزت هذا النوع من الفن وقد لعبت هذه الموسيقى الملتزمة دورا كبيرا ومحوريا في مقاومة الاستبداد وتعرية النظام السياسي القائم وتصفية الديكتاتورية وشكلت إحراجا كبيرا لنظام بورقيبة وبن علي بعد أن تعددت الفرق الموسيقية وانتشرت في كل الجهات وأصبحت الكلمة الملتزمة مقلقة واللحن الملتزم أحد الأسلحة التي قاوم بها الشعب الاستبداد ومصادرة حرية الرأي والتعبير والمطالبة بالحقوق . ومن بين القضايا الكبرى التي التزمت بها الفرق الملتزمة وتميز غناؤها عن غيره من الغناء القضية الفلسطينية ومحاربة الاحتلال الاسرائيلي لأرض فلسطين وقضية الانسان العربي المنتهكة حقوقه والمغتصبة أرضه تحت أنظار العالم وبرعاية ممن يتحكمون فيه لقد كان الهم الفلسطيني حاضرا بقوة في الأغنية الملتزمة وكانت أشعار محمود درويش وغيره من شعراء العرب هي أشعار الأغنية الملتزمة التي ألهبت مشاعر الشعوب وهزت عروش الجبابرة والمنتهكين للأرض والأوطان. والسؤال اليوم هل مازال للأغنية الملتزمة من دور في محاربة الغطرسة والهيمنة في عالم يتحكم فيه الأقوياء ؟ قد يقول قائل ماذا يمكن أن يفعل الغناء تجاه غطرسة اسرائيل ؟ وماذا يمكن أن تغيره الموسيقى من واقع الاحتلال ؟ وكيف يمكن أن يقف الفن أمام الآلة الحربية لدولة الاحتلال ؟ في الظاهر قد تكون الإجابة بالنفي وقد تكون سلبية ولكن في الواقع فإن الأغنية الملتزمة بالقضية الفلسطينية والمدافعة عن الهم الفلسطيني قد فعلت الكثير للقضية وكشفت للعالم عن وحشية الاحتلال الاسرائيلي وأوصلت للشعوب الغربية مأساة الشعب الفلسطيني وما تعرض له على مدار عقود من الزمن من ظلم ومن انتهاكات هي من قبيل الجرائم ضد الانسانية .. ما فعلته الاغنية الملتزمة للقضية الفلسطينية هي أنها أوصلت للعالم الصوت الفلسطيني وعرت أمام العالم بشاعة صورة الاحتلال وقد كانت العروض الفنية التي قدمتها مختلف الفرق العربية الملتزمة الوسيلة التي غيرت بها نظرة الغرب للقضية الفلسطينية وزادت من تعاطف شعوبه مع الفلسطينيين وجعلت الكثير من الحكومات في الغرب تغير موقفها من دولة الاحتلال الاسرائيلي فبالكلمة واللحن والأداء الملتزم استطاعت الفرق الملتزمة أن تفعل ما لم يفعله صوت البندقية فالكلمة الملتزمة كان لها وقع مدو في توسيع دائرة التعاطف والمساندة للحقوق الفلسطينية وهذا ما غير من المعادلة السياسية اليوم بعد أن أبدت الكثير من الحكومات الغربية رفضها لما يقوم به الاحتلال الاسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني فالفن الملتزم له قدرة كبيرة على التعبير عن قسوة العالم وقدرة أكبر للتعبير عن أوجاع الشعوب المنتهكة حقوقهم ودور في جعل العالم يشعر بالذنب تجاه البشر المظلومين . لقد استطاعت الأغنية الملتزمة أن تدين العالم والإنسانية عن سكوتهم تجاه كل ما يتعرض له الانسان الفلسطيني من ظلم وانتهاكات واحتلال ودوام حال الحرمان من دولة مستقلة يعيش فيها عيشا عاديا في وطن مستقل كباقي شعوب الدنيا.