صدق البجبوج حين قال في وقت ما " إذا خلا لك الجوّ فبيضي و فرّخي " و يبدو و أنّنا نعيش هذه الوضعية اليوم و بامتياز و من أهم مظاهر هذه الفترة هو الاستهتار و المراهقة السياسية التي تمرّ بها بلادنا بدون الأخذ بعين الاعتبار ما محم فيه من ظروف عسيرة قد تقلب البيت على كل ساكينها بدون تمييز؟ فهل يدرك ساستنا و سلطاتنا الأشاوس هذا الفترة العصيبة في تاريخ بلادنا، اقتصاديا و اجتماعيا و سياسيا و حتّى أمنيا ؟ و هل فعلا لبلادنا أحزابا مسؤولة و واعية بدقة المرحلة؟ إنّ كانت كلّ الأطراف فعلا مدركة لهذا الوضع الخطير فبماذا نفسر هذه الصبيانيات السياسوية التي نعيشها؟ هل ذاك من باب العنترية التي قد تحرق الجميع؟ أم من باب تصفيات لمعارك تدور رحاها في الخفاء و ما يرشح منها على الساحة ليس إلاّ نتاج لهذه المعارك؟ لعلّ أبرز نتاج لهذه المعركة الخفية – و هي في الحقيقة معلومة أطرافها – هو اعلان حركة النهضة في الأمتار الأخيرة للسباق عدم مشاركتها في الحكومة رغم منحها ما طلبته من حقائب وصلت إلى 8 حقائب و بالتالي عدم تزكيتها لحكومة الفخفاخ، ليس مبرره عدم تشريك " قلب تونس " في الحكومة بتدليل و أنّها منذ البدايات و صفت هذا الحزب بحزب الفاسدين و بالتالي ما الذي أيقظ فجأة هذا " الحب " تجاه حزب القروي؟ و هل رفضها المشاركة في حكومة الفخفاخ مردّه هذا السبب بالذات خاصة أمام تسويقها بأنّها لا تريد الاقصاء و تبحث عن حكومة وطنية؟ هذا الموقف الرافض لحكومة الفخفاخ الذي ربما فاجأ بعض الأطراف السياسية – و هو غير مفاجأ في نظري – دفع البعض إلى تحليلات عدّة منها من دعا إلى تجاوز حركة النهضة و تعويض وزرائها بالمستقلين و منهم من رأى في ذلك سقوط ورقة التوت عن من يدّعون الخوف على المصلحة الوطنية بل ذهب طرف ثالث في تفسيره لموقف النهضة بكون ردّها بعدم المشاركة يتنزّل في إطار الرّد السابق لعدم تزكية حكومة الجملي. و الحقيقة و إن كثرت الآراء و تعددت بحكم الموقف الذي اتخذته النهضة في اللحظات الأخيرة من حكومة الفخفاخ و عدم تزكيتها إن عرضت للتصويت فهو يحمل بين طياته أسبابا أعمق من كونه ردّ فعل " متهور " من طرف النهضة و غير متوقع بل أقول لهؤلاء و أنّ موقف النهضة هذا لم يتّم اتّخاذه البارحة فقط بعد اجتماع مجلس شورتها بل هذا الموقف اتخذ من قبل ذلك بكثير و لعلّه اتّخذ من يوم تكليف الفخفاخ من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد و هنا مربط الفرس و بيت القصيد؟ بمعنى و أن الرجلين – قيس سعيد و راشد الغنوشي – لكل منهما شيطانه في جيبه كما يقال فلا هذا الطرف يرتاح إلى الآخر و كلّ منهما يبحث عن دفاعات تجنبه ما ينتظره من هذا أو ذاك الطرف؟ و هنا تكمن اللعبة السياسية خاصة و أن الشيخ الغنوشي يخشى – بعد تكليف قيس سعيد للفخفاخ – من أن تكبر دائرة مناصري رئيس الجهورية عبر هذه الحكومة القادمة مع ما يعيشه هو كرئيس للبرلمان من حركات بعض الأحزاب التي لا يطمئن لها ليجد نفسه في دائرة تضيق من حوله سواء من قبل مؤسسة الجمهورية أم من قبل رئاسة الحكومة الموالية لرئيس الجمهورية حسب الغنوشي فضلا عن مجلس نواب في أغلبه مناوئ له؟ و بالتالي شعور الغنوشي بتضييق الخناق عليه دفعه لعدم المشاركة في الحكومة و عدم بالتالي تزكيتها و يفضل على كل ذلك الهروب إلى الأمام و لو أدى الأمر إلى انتخابات سابقة لأوانها و هو لذلك استبق هذه المرحلة بسعيه على عرض مشروع قانون العتبة على مكتب مجلس النواب ليحاول تمريره فيما بعد ليضمن و لو قدر من الارتياح و الضمانة؟ و في النهاية أقول لكل هذه الأطراف كفاكم مراهقة سياسية و كفاكم تسجيل نقاط على بعضكم البعض فلا بدّ من بناء ارث عمل مشترك من أجل مصلحة هذا الوطن الذي عانى من هذه المراهقات السياسية الكثير و كفاية عبث بهذا الشعب الذي ذاق الأمرين طوال عقد من الزمن لأنّه لو تواصل مثل هذا العبث السياسي.