ودعت العائلة الدستورية أخيرا أحد رموزها العروسي بن ابراهيم رحمه الله واسكنه فراديس جنانه بعد عمر مديد (96سنة) واكب فيها كل ما عاشه الشعب التونسي منذ ثلاثينيات القرن الماضي وهو بذلك يختزل ذاكرة حيّة لمراحل النضال من أجل تحرير البلاد من ربقة الاستعمار وكان له فيها نصيبه صحبة رفاق بررة اغلبهم رحلوا إلى دار البقاء ولم يبق منهم إلا قليل هم اليوم في خريف العمر وكان العروسي بن ابراهيم رحمه الله بعد الاستقلال وعند بناء الدولة من رجال الصف الثاني الذين اعتمد عليهم الزعيم الحبيب بورقيبة رحمه الله وقد اوكلت اليه مسؤوليات حزبية في الشمال والجنوب (مندوب حزب)وفي تلك المرحلة وهي الاصعب ابلى العروسي بن ابراهيم البلاء الحسن ساعده في النجاح في مهمته انه كان بجانبه في تلك الملحمة مناضلون من طينته لاهم لهم إلا خدمة الصالح العام لم يغب عن اعينهم اخوة لهم بررة قضوا نحبهم في ساحة الوغى ممن نالهم شرف الشهادة من اجل الاستقلال ومن اجل أن يرفرف علم تونس عاليا فوق كل شبر من ربوعها.. ظل العروسي بن ابراهيم وإخوانه ممن كانوا بجانبه على العهد يرسون قواعد الدولة الوطنية مع ما في ذلك من مصاعب وتحديات لم يبدلوا ولم يغيروا لقد كانوا رجالا لايمكن أن نقارنهم باشباه الرجال فشتان بين الصنفين لكأنهم ليسوا من طينة واحدة.. ومضى العروسي بن ابراهيم رحمه الله في هذا الدرب يواكب بوطنية عالية وبتجرد وانضباط كل ماعاشته تونس من تحولات وأحداث في السبعينيات والثمانينيات و عند ما تقدمت بالزعيم القائد السن وحدث ماحدث مما لا يتسع المجال لذكره في هذه العجالة كان مايهم العروسي بن ابراهيم واخوانه من مناضلي الرعيل الأول هو الحفاظ على مااصطلح عليه بالوحدة القومية والوقوف في وجه كل من يستهدفها من الخارج وممن يتذيل للخارج لبى العروسي بن ابراهيم نداء الواجب في كل مرة تستهدف فيه الدولة ومكاسبها تشهد على ذلك مرابطته في منطقة باب سويقة قلب عاصمة البلاد عرين الحزب الدستوري التي شهدت الاحداث المفرحة والمحزنة للدستوريين وفي كل مرة وعند الملمات والشدائد يبرز العروسي بن ابراهيم ومن هم على هذا النهج حتى إذا اطمان هؤلاء المناضلون على عودة الامور إلى مجراها الطبيعي تراجعوا إلى الصف الثاني الذي اختاروه ورضوا به لايريدون على مايقومون به جزاء ولاشكورا والدليل على ذلك أن العروسي بن ابراهيم واخوانه من المناضلين الوطنيين المخلصين والذين يجري منهم حب تونس مجرى الدم من العروق لم ينالوا شيءا يذكر من المغانم التي يسيل لها لعاب الكثير من ادعياء النضال وما اكثرهم في هذا الزمان.. ذلك هو العروسي بن ابراهيم رحمه الله الذي اجتمعت لتوديعه الوداع الاخير وتقاطرت على منزله جموع غفيرة من مختلف اجيال الاسرة الدستورية(التي اصبحت ويا للاسف الشديد لاتجمعها إلا مواكب الراحلين....) عرفت العروسي بن ابراهيم رحمه الله في نهاية فترة الثمانينات في الاجتماعات الحزبية الحاشدة التي لايغيب عنها وفي كل مرة القاه فيها يترحم على اخيه الشيخ الوالد الحبيب المستاوي رحمه الله وقد جمعتهما المسؤولية الحزبية ابان كان العروسي بن ابراهيم مندوبا للحزب بولاية مدنين (وكانت انذاك تطاوين جزءا من ولاية مدنين) وكنت ألقاه في الذكريات الوطنية التي يحييها التجمع الدستوري الديموقراطي بولاية بن عروس والتي اواكبها بصفتي عضوا باللجنة المركزية وعضوا بمجلس النواب، وكنا نلتقي عند صديقه المناضل عبد الله عبعاب رحمه الله وكنا نتقاسم الكثير من وجهات النظر فيما حققته تونس في تلك المرحلة من مكاسب كما كنا نتألم ونتأسف الاسف الشديد للكثير من التصرفات التي لم نكن نقرها أو نتقبلها وهو ما كان يقلق منا البعض من النافذين.. أما بعد 14 جانفي فلم التق بالسيد العروسي بن ابراهيم رحمه الله إلا مرات قليلة واعلم انه حاول أن يلفت انتباه الرئيس السابق الباجي قائد السبسي رحمه الله نظرا لما له معه من علاقة قديمة تعود إلى سنوات الكفاح من اجل تحرير تونس حاول رحمه الله لفت الانتباه إلى ما سيضيع الآمال التي عقدها الشعب وعقدها الدستوريون في الرئيس الباجي قائد السبسي ولكن يبدو أنه لم يجد الاذان الصاغية وذلك هو ما اسر به الي في اخر لقاء جمعني به وأنا أشيّعه إلى منزله في المنزه بعد أن جاء إلى المجلس الذي نرتاده ويجمعنا بثلة من الاصدقاء الذين منهم الاخ صالح الحاجة صاحب الصريح رحم الله العروسي بن ابراهيم واسكنه فراديس جنانه ورزق اهله وذويه والاسرة الدستورية جميل الصبر والسلوان وانا لله وانا اليه راجعون