تشبيه رائع ومعبر ذلك الذي طالعته مترجما للعربية عن مقال قاس وشرس حول أفول القوة الامريكية، لقد شبه الكاتب الحضارة الامريكية الحديثة بأضواء الكواكب الميتة منذ الاف السنين لكنا نظل نراها في السماء وهاجة بهيجة ساطعة، ونعتز بها ونظن انها تصدر عن حياة ولكنها اضواء تصلنا من كوكب انقرض وغاب بحكم قانون سرعة الضوء وسرعة الصوت. من هو كاتب هذا المقال الذي يحاكم امريكا؟ ليس عضوا في حزب الله ولا الجهاد الإسلامي و ليس عدوا للولايات المتحدة و لا يكره حكامها حتى ترامب بل هو كان حاكما لولاية كولورادو لاطول مدة في تاريخها ويعمل اليوم مديرا لمركز السياسات العامة والشؤون المعاصرة لجامعة (دنفر) ونشر المقالة في مجلة (المستقبليون) يحلل فيها مؤشرات الافول وسنن السقوط وقد احسنت المجلة العربية (الاصلاح) عرض هذا المنظور الحضاري العلمي حتى نتعامل نحن العرب مع القوى العظمى بهذه الخلفية ولا نضع بيضنا السياسي والاقتصادي والثقافي في سلة امريكا وحدها. زبدة نظرية (ريتشارد لام) ان قوة امريكا الحالية هي حصيلة غرس الجيل السابق في الصناعة والتكنولوجيا والتعليم يتنعم به الجيل الحاضر ولا يضيف اليها شيئا بل يبددها ويبعثرها بسياسات عرجاء وهو ما يبرر تشبيه الحالة الامريكية بأضواء الكواكب المنقرضة، وهو ما يدعو مسؤولا امريكا في حجم (لام) الى الاعتقاد ان مؤشرات الأفول والانحدار اكبر من مؤشرات استمرار القوة. يلخص (لام) الوضع الامريكي الراهن فيقول: نحن ننفق اكثر مما نستثمر (الاستثمار فاق الضرائب) ونتلف اكثر مما ندخر ونوفر، ونستورد اكثر مما نصدر وهو المؤشر الذي لا يخطأ و سينزل بنا الى مصاف دول الدرجة الثانية الى جانب ان طلبتنا الجامعيين صنفتهم منظمة التقييم الأكاديمي الأمريكي في مستوى متدن بإزاء طلبة اوروبا واليابان، يضيف (ريتشارد لام) قائلا: ان مجتمعنا يسجل نسبة عالية من الامية واعلى نسبة في الجريمة. ويختم الكاتب حاكم كولورادو السابق مقاله بتشبيه امريكا بالباخرة العملاقة (تايتانيك) التي شاهد العالم كله شريطها، ويقول: لقد اكد صانعوها عام 1912 انها لن تغرق ابدا وركب الناس مطمئنين وانهارت الاسطورة في اول رحلة لها يوم 14 افريل 1912 على صخور الجليد القاسية الصلبة وهلك اغلب من فيها. ان هذه الشهادة من امريكي مسؤول في أعلى اجهزة الحكم تدعونا الى التفكير في التخطيط الاستراتيجي لمستقبلنا واعادة النظر في مباهج العولمة التي جعلتنا سكارى وما نحن بسكارى، حتى نزداد تمسكا بحقوقنا وتعلقنا بهويتنا. و لا بد أن نتأمل ما جاء منذ شهرين في بيان قمة ماليزيا المصغرة لتعزيز التعاون بين الدول المسلمة و تحقيق خطوات اسلامية مباركة تقدم الأمة الاسلامية درجات كبرى الى الامام بإحياء روح و فقه التضامن الإسلامي المسالم و المتسامح المقام على تعاليم الدين السمحة وقد كان المؤتمر ناجحا في كل مجالات السياسة والاقتصاد حيث شكل موقفا اسلاميا موحدا بين رؤساء دول تتمسك بهويتها و كبرياء أمتها ازاء الغطرسة الإسرائيلية في صفقة القرن حين قرن القول بالفعل وبدأت خطوات دول اسلامية عديدة لوضع حد للهرولة نحو التطبيع ضد القانون الدولي و ضد حق الشعب الفلسطيني حتى تحترم دولة اسرائيل معاهداتها وحتى يعود الراعي لموقف الانصاف والعدل والشرعية الدولية. ثم جاء الالحاح على أهمية التنسيق الاقتصادي حتى ينجز المسلمون مابدأ رسمه من سوق اسلامية مشتركة وما بدأه طيب الذكر نجم الدين أربكان حين جمع الدول الاسلامية الثمانية في مؤتمر اسطنبول في التسعينيات وهو نفس ما دعا اليه الزعيم البوسني علي عزت بيغوفيتش و ما حققه في ماليزيا مهاتير محمد و ما استمر فيه رجب طيب أردوغان. ان على الجيل المسلم الراهن مسؤولية جسيمة وامانة ثقيلة فالتضامن الاسلامي هو الصراط المستقيم لاستدعاء الهوية لحماية المصالح وتأمين المصير وسيحاسبنا اولادنا غدا ان نحن قصرنا وفرطنا في تلك الاستقلالات التي دفع آباؤنا ثمنها الغالي بالامس. ثمن الحرية غال و أبو القاسم الشابي شاعر تونس كان على حق حين قال: اذا الشعب يوما اراد الحياة/ فلابد ان يستجيب القدر ولا بد لليل ان ينجلي/ ولابد للقيد ان ينكسر.