أتابع هذه الايام بعض مواقع الاتصال العصرية لأعرف أحوال وواقع بلادي وهي تعيش أزمة وباء وفاجعة جائحة كرونا الشديدة العالمية ومما لفت انتباهي وشد اهتمامي في هذه المتابعة اليومية هي ظاهرة كثرة الخلافات والمشاكسات الزوجية التي سجلت ارتفاعا غير قليل مقارنة بحالة مجتمعنا قبل وباء كورونا الذي فأجا أناس هذا الجيل واحتار في امره كل دليل وكل سبيل فالأزواج رجالا ونساء لم يتعودوا البقاء والمكوث والاعتزال في البيت الذي هم به في هذا الحجر الصحي مطالبون بحكم السلطة وبحكم القانون فقد كانوا قبل ذلك يغادرون البيت طويلا للعمل او لغيره من بقية الشؤون وكانوا لا يجتمعون في البيت الا يوما في الاسبوع او بعض يوم ويقضون اغلب هذا الوقت وهم منشغلون بالتلفاز اوتصفح مواقع الاتصال الاجتماعي او للمسارعة الى غرف النوم ولكن لم يجربوا ابدا ان يبقوا اياما طويلة بلياليها وهو مجتمعون بعضهم ببعض من الصباح الى المساء دون شغل ودون مقاهي ودون ملاهي ودون تسوق ودون تنزه ودون لقاء الاصدقاء والاجتماع بالزملاء في العمل... ولقد صدق فيهم ذلك القول التونسي القديم المعلوم (راسي راسك يا مشوم انت الغراب وانا البوم) مع العلم وان هؤلاء الأزواج العصريين تزوج اكثرهم عن حب وعن هيام وانهم عاشوا مع بعضهم بعضا قصص ومغامرات الوجد واللوعة والغرام لكن ثبت بالواقع وبالدليل ان هذا الكلام كله قبل الزواج هو من النوع الذي يقول فيه التونسيون في هذه البلاد وفي هذه الربوع انه كعك لا يسمن ولا يغني من جوع والادهى من هذا وامر ان كثيرا من الأزواج الشباب العصريين يعتبرون البقاء في البيت نوعا من العذاب ونوعا من الجحيم ونوعا من الشراب المر ويعتبرون قضاء غالب الوقت خارج البيوت راحة ما بعدها راحة لا يجب ان يحرم منها المتزوج حتى يدركه ويقبض روحه ملك الموت وقد ازداد الأمر سوءا بعد خروج النساء ايضا للعمل مع الرجال وبعد تعودهن على ارتياد المقاهي والملاهي والمنازه والملاعب مثلهم واعتبار ذلك الامر حقا وكسبا من مكاسب التقدم والحرية بلا شك وبلا جدال اوليست هذه الأسباب منفردة او مجتمعة كافية لقلق الأزواج بعضهم من بعض اذا بقوا مدة طويلة وجوبية شبه محبوسين ومسجونين في البيوت وكانهم يجسمون تلك المقولة الشعبية التي تقول(السكوت والنبوت والي يتكلم يطيح يموت)؟ وانني لاقول مع الاسف الشديد انه لو تواصل الحال على هذا الحال لزادت العلاقات الزوجية سوءا على سوء بلاشك وبلا جدال... ولكم اضحك الضحك الشديد عندما اسمع اولائك الناصحين الذين يريدون التهوين على الأزواج مسالة وحكم الاعتزال في البيوت بدعوتهم الى المطالعة والى العمل المنزلي المفيد ذلك لانني اعلم علم اليقين ان اغلب التونسيين تركوا وهجروا مطالعة الكتب منذ زمان واصبحت عندهم المطالعة في خبر كان بعد ان تربوا ونشؤوا على ارتياد المقاهي والملاهي والملاعب ولم يتعودوا على المطالعة والبحث العلمي النافع وما يتطلبه ذلك من الصبر الطويل الشاسع ومن تحمل المشاق والمتاعب ومن كان في شك مما اقول فليذهب وليزر المكتبات الثقافية فانه سيجد ان عدد روادها قد لا يزيد عن الواحد بالمائة عن عدد من يرتادون اماكن اللعب واللهو واللغو والزهو والطرب عملا بتلك القولة التونسية(اذا لقيت الزهو والطرب لا تبدلو لا بشقاء ولا بتعب) وخلاصة القول الفصل الذي ليس بعده قول وليس بعده كلام ان من سيرتاحون ومن سيتمتعون ومن سيلتزمون ذاتيا بهذا الحجر الصحي العام هم المتعودون قبله على الصبر والانشغال الذاتي الاختياري بكل هواية منزلية معقولة مجدية و بكل عمل نافع مفيد للنساء والرجال وهو بكل ذلك فرحون ومنشرحون وسعيداء وليس من ارغموا على هذا الحجر ارغاما ومن اكرهوا عليه اكراها وهم يعتبرونه في قرارة انفسهم بمثابة الاقامة الجبرية اوبمثابة السجون المظلمة الداكنة السوداء وراء القضبان المصنوعة من حديد... والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.