كتاب الامام ابن قيم الجوزية رحمه الله المعروف(بزاد المعاد في هدي خير العباد) كتاب قيم مفيد الفه صاحبه منذ ما يزيد عن سبعة قرون ولكن قليلون هم الذين قرؤوه واستفادوا منه مع الأسف الشديد والقلب المحزون والدليل على ذلك انك لا تسمع الكثيرين من اهل العلم و الثقافة يذكرونه في احاديثهم الدينية رغم ان صاحبه اعتمد فيها الأحاديث الصحيحة والاخبار الثابتة اليقينية والاجتهادات الموثقة الفقهية وقد قال فيه ابن رجب رحمه الله(كان ذا عبادة وتهجد وطول صلاة الى الغاية القصوى وتاله ولهج بالذكر وشغف بالمحبة والانابة والاستغفار والافتقار الى الله والانكسار له لم اشاهد مثله في ذلك ولا رايت اوسع علما منه ولا اعرف بمعاني القران والسنة وحقائق الايمان منه ...وكان عارفا بالتفسير لا يجارى فيه وباصول الدين واليه فيهما المنتهى وبالحديث ومعانية وفقهه ودقائق الاستنباط منه لا يلحق في ذلك وبالفقه واصوله وبالعربية وله فيها اليد الطولى وبعلم الكلام وبكلام اهل التصوف واشاراتهم ودقائقهم) افليس من الغريب ومن العجيب إذن ان يمر الكثيرون من الباحثين في علوم وفي تاريخ مصنفات علماء الاسلام ولا يذكرون شيئا من علم هذا الرجل وخاصة في ما يتعلق بمناسبة حلول هذا الشهر بفريضة الصيام ؟ وتلافيا مني لهذا النقص العجيب المريب فقد رايت ان انقل لقراء الصريح شيئا مما قاله هذا العالم الجليل في فريضة الصيام لنترك لهم الفرصة سانحة ليقولوا رايهم في ما سيسمعونه منه من القول ومن البيان ومن الكلام يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله في فصل عقده تحت عنوان (في هديه صلى الله عليه وسلم في الصيام)(لما كان المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات وفطامها عن المالوفات وتعديل قوتها الشهوانية لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية ويكسر الجوع والظمأ من حدتها وسورتها ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين وتضييق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب وتحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها ويسكن كل عضو منها وكل قوة عن جماحه وتلجم بلجامه فهو لجام المتقين وجنة المحاربين ورياضة الأبرار والمقريبن وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال فان الصائم لا يفعل شيئا وانما يترك شهوته وطعامه وشرابه من اجل معبوده فهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها ايثارا لمحبة الله ومرضاته وهو سر بين العبد وربه لا يطلع عليه سواه والعباد قد يطلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة واما كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من اجل معبوده فهو امر لا يطلع عليه بشر وتلك حقيقة الصوم وللصوم تاثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة وحميتها من التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي اذا استولت عليها افسدتها واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها ويعيد اليها ما استلبته منها ايادي الشهوات فهو من اكبر العون على التقوى كما قال تعالى(يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون...)...والمقصود ان مصالح الصوم لما كانت مشهودة بالعقول السليمة والفطرة المستقيمة شرعه الله لعباده رحمة بهم واحسانا اليهم وحمية لهم وجنة)انظر الصفحتين 231/232 الطبعة الثانية 2009 دار المعرفة بيروتلبنان) فشتان ايها القراء بين من يعتبرون الصوم ارهاقا وتسلطا وحرمانا للصائمين وبين من يعتبرون الصوم وقاية وجنة من كل داء ومن كل وباء ورحمة الاهية ثابتة حقيقية بالصائمين هذا بعض ما كتبه الامام ابن قيم الجوزية منذ قديم الزمان في بيان حقيقة الصيام ذكرناه لقرائنا الذي نكن لهم كل المودة وكل الاحترام واننا ندعوهم بالمناسة ان يبحثوا عن شيء اخر يكون افضل عندهم من هذا البيان وسنكون لهم في غاية التقدير ومنتهى الشكران عاملين بقوله تعالى الذي صاغه في احسن واروع بيان(هل جزاء الاحسان الا الاحسان)