لقد تحدثنا في مقالين متتاليين عن بعض الكبائر التي حذر منها رب العالمين ورسوله محمد الصادق الامين عليه صلوات ربنا وسلامه الى يوم الدين واعتمدنا في ذلك على الكتاب القيم لابن قيم الجوزية رحمه الله (اعلام الموقعين عن رب العالمين) ولا شك ان الحديث عنها يجرنا ويدفعنا حتما الى ذكر تلك الاية الكريمة الواحدة والثلاثين من سورة النجم والتي يقول فيها سبحانه وتعالى (الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش الا اللمم.ان ربك واسع المغفرة...) فما هو الاثم وما هي الفواحش؟ وما هو اللمم لدى اهل التفسير واهل العلم؟ يقول الامام الخازن رحمه الله صاحب التفسير المسمى (لباب التاويل في معاني التنزيل)(قيل الاثم الذنب الذي يستحق صاحبه العقاب وقيل هو اسم للافعال المبطئة عن الثواب وقيل هو فعل ما لا يحل وقيل الاثم جنس يشتمل على كبائر وصغائر وجمعه اثام والكبيرة متعارفة في كل ذنب تعظم عقوبته وجمعه كبائر و(الفواحش) جمع فاحشة وهي ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال وقيل هي ما فحش من الكبائر (الا اللمم) اي الا ما قل وصغر من الذنوب وقيل هي مقاربة المعصية من قولك الممت بكذا اذا قاربته من غير مواقعة واختلفوا في معنى الآية فقيل هذا استثناء صحيح واللمم من الكبائر والفواحش ومعنى الاية الا ان يلم بالفاحشة مرة ثم يتوب او يقع الوقعة ثم ينتهي وهو قول ابي هريرة ومجاهد والحسن ورواية عن ابن عباس وقال عبد الله بن عمرو بن العاص اللمم مادون الشرك وقال ابو صالح سئلت عن قول الله عز وجل الا اللمم فقلت هو الرجل يلم بالذنب ثم لا يعاود فذكرت ذلك لابن عباس فقال اعانك عليها ملك كريم وزاد فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان تغفر اللهم تغفر جما واي عبد لك ما الما) اخرجه الترمذي وقيل اصل اللمم و الالمام ما يعمله الانسان الحين بعد الحين ولا يكون له اعادة ولا اقامة وقيل هو استثناء منقطع مجازه... لكن اللمم ولم يجعلوا اللمم من الكبائر والفواحش ثم اختلفوا في معناه فقيل هو ما سلف في الجاهلية فلا يؤاخذهم الله به في الاسلام وذلك ان المشركين قالوا للمسلمين انهم كانوا بالأمس يعملون معهم فانزل الله عزوجل هذه الاية وهذا قول زيد بن ثابت وزيد بن اسلم وقيل اللمم هوصغار الذنوب كالنظرة والغمزة والقبلة ونحو ذلك مما هو دون الزنا وهو قول ابن مسعود وغيره وعن ابن عباس قال ما رايت شيئا اشبه باللمم مما قال ابو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ان الله عز وجل كتب على ابن ادم حظه من الزنا ادرك ذلك لا محالة فزنا العينين النظر وزنا اللسان النطق والنفس تتمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك او يكذبه ولمسلم رواية يقول فيها والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطى والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج او يكذبه وقيل اللمم على وجهين احدهما انه كل ذنب لم يذكر الله تعالى عليه حدا في الدنيا ولا عذابا في الاخرة فذلك الذي تكفره الصلوات الخمس وصوم رمضان مالم يبلغ الكبائر والفواحش الوجه الثاني هو الذنب العظيم يلم به المسلم المرة بعد المرة فيتوب منه وقيل هو ما لم على القلب اي خطر وقيل اللمم النظرة من غير عمد فهو مغفور فان اعاد النظر فليس بلمم فهو ذنب والله سبحانه وتعالى اعلم)(انظر الصفحتين 196/197) المجلد الرابع /دار المعرفة بيروتلبنان) فاللهم يا صاحب الحكم والقدرة والعلم اجرنا من الكبائر ومن الفواحش ومن اللمم واعنا في هذا الشهر الكريم على حسن الذكر وحسن الصلاة وحسن الصوم سبحانك لا الاه الا انت انا كنا من الظالمين ولا حول ولا قوة الا بالله رب العالمين.