مازلنا نواصل الحديث عن هذا النوع من اعجاز القران الذي اخبرنا بصدق عن نفوس وعقول وقلوب اهل الكذب والبهتان الذين عاشوا ووجدوا في زمن الرسول عليه السلام وسيظلون لا محالة موجودين ومنتشرين في كل زمان وفي كل مكان...فمن ذلك قوله تعالى عز وجل من سورة النمل( وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين)14 فهذا فرعون وقومه الذين جاءتهم معجزات الله تعالى على يد موسى عليه السلام كذبوا بها ولكن في حقيقة نفوسهم كانوا بها معترفين و مستيقنين انها من عند الله رب العالمين وان موسى رسول من الصادقين وان جحودهم بها كان مرده الى الظلم والى العلو والى التكبر الذي عم نفوسهم فاعماهم وصدهم عن الاعتراف بالحق المبين... فسبحان الله العظيم الذي فضح في كتابه حقيقة فرعون اكبر الطغاة والمفسدين وكشف حقيقة نفوس اتباعه وانصاره الذين كذبوا على انفسهم وحملوا الناس معهم على تكذيب ايات الحق المبين... وكم فينا اليوم مع الاسف الشديد رغم اننا كما يقولون في عصر العلم والثقافة والتنوير من يعرفون بعقولهم ومن تستيقن انفسهم الحقائق الواضحة الجلية ولكنهم يجحدون بها ظلما وعلوا وتكبرا خوفا على ضياع مصالحهم الخاصة الذاتية الضيقة الشهوانية ومن ذلك قوله تعالى من سورة المجادلة(الم تر الى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالاثم والعدوان ومعصية الرسول واذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في انفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير)8 نزلت هذه الاية الكريمة في اليهود والمنافقين وذلك انهم كانوا يتناجون فيما بينهم دون المؤمنين وينظرون الى المؤمنين ويتغامزون باعينهم ويوهمون المؤمنين انهم يتناجون بما يسوؤهم فيحزن المؤمنون...فلما كثر ذلك منهم شكوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فامرهم الا يتناجوا دون المؤمنين فلم ينتهوا فانزل الله تعالى( الم تر الى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه )اي يرجعون الى المناجاة التي نهوا عنها(ويتناجون بالاثم والعدوان) يعني ذلك السر الذي كان بينهم لانه اما مكر وكيد بالمسلمين او شيء يسوؤهم (ومعصية الرسول) وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد نهاهم عن النجوى فعصوه وعادوا اليها ...اما عن التحية فقد كان اليهود يدخلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون السام عليك والسام هو الموت وهم يوهمونه انهم يسلمون عليه (ويقولون في انفسهم ) يعني اذا خرجوا من عنده قالوا(لولا يعذبنا الله بما نقول) يريدون لو كان نبيا لعذبنا الله بما نقول من الاستخفاف به(حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير) والمعنى ان تقديم العذاب انما يكون بحسب المشيئة والمصلحة واذا لم تقتض المشيئة والمصلحة تقديم العذاب فعذاب جهنم كافيهم ... فسبحان الله تعالى رب العالمين الذي انزل في كتابا معجزا خالدا يفضح و يكشف دخائل وسرائر المنافين وغيرهم من العصاة والمذنبين الذين ارادوا الكيد والشر للمؤمنين الصادقين وسيظلون يريدون ويمكرون ويخططون ويسعون الى ما فيه افساد واهلاك المؤمنين الصادقين الى يوم الدين وما احسن ان يرد عليهم اهل الايمان واهل القران بقوله تعالى وهو قاصم الجبارين وموهن كيد المكذبين والمنافقين والخائنين والماكرين في كل مكان وفي كل ان وفي كل حين( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)