ذهب الكثير إلى تعريف الزنديق ذلك الممارس للزندقة وهو الضّال في نظرهم والمظهر للإيمان والمبطن للكفر والزندقة في النهاية هي الخروج عمّا هو متعرف عليه ولكن إذا ما اتّبعنا هذا التعريف للزندقة تبيّن ، وهذه مفارقة عجيبة وغريبة، أنّ كلّ من تمّ الاصطلاح على تسميتهم في عالمنا الإسلامي، بالزناديق من قبل الأصوليين المتشددين هم من خيرة علمائنا في الفلسفة والطب والمنطق والرياضيات وغيرها من المجالات. أمجادنا " زنادقة" في نظر هؤلاء : لذلك أعتبر أبو بكر الرّازي زنديقا في عصره وكفّرة الأصوليون ودفع الرّازي الثمن غاليا وبقيت أعماله وأبحاثه طي الكتمان إلى أن عادت للظهور بعد عقود طويلة من الزمن وخاصة بعد أن أعجب الغرب به في حين أنّه كان في عصره من أهم العلماء في المجال الطبي ويعتبر حلقة الوصل بين الطب القديم والطب الحديث ولكن وأيضا لم يخرج الحسين ابن الهيثم، مؤسس علم البصريات عن دائرة الاتهام بالزندقة واتهم بالجنون في آخر حياته وأجبر على البقاء في بيته يؤلف ويكتب إلى أن مات كمدا وحسرة الكندي وهو أبو يوسف يعقوب بن سفيان الكندي وهو أحد القلائل العرب الذين نالوا مجدا واسعا حيث ألف المئات من الكتب والرسائل التي تطرقت إلى الموضوعات التطبيقية والفلسفية وآمن بأنّ العقل هو محور كلّ التصورات الإنسانية والمقياس الذي يجب أن يقاس به كلّ شيء بما في ذلك النص القرآني. أفكاره هذه كانت سببا محوريا في كراهية الأصوليين له وصلت إلى مصادرة مكتبته الخاصة في عصر حكم الخليفة الأصولي المتوكل والذي أمر بجلده أمام حشد من الناس إلى أن أصيب بالإكتئاب أمّا ابن سينا وهو أبو الحسن بن عبد الله بن الحسين بن علي بن سينا والذي تميّز في مجال الطب من خلال كتابه " القانون في الطب" والذي كان حجر الأساس للنهضة الطبيّة والتشريحية في أوروبا، هذا العالم الجليل اتّهمه الأصوليون بالكفر بل وأجمعوا على تسميته بالزنديق وإمام الملاحدة حتّى أنّهم أمروا بإعدامه وقطع رأسه. ابن رشد هو الآخر والذي يعتبر الجسر الأساسي بين الفلسفة اليونانية القديمة وفلسفات عصر النهضة الأوروبية هو الآخر دخل في معارك ضارية مع الأصوليين لأنّه بيّن وأنّ الطريق إلى الله هو طريق العقل ولآنّه كذلك برع في تأويل آيات القرآن تأويلا مختلفا عمّا هو سائد لدى الأصوليين فنال ما نال من الدسائس والمؤامرات أدّت إلى احراق كتبه الفلسفية وإبعاده من قرطبة. زنادقة العصر .من "يزندقهم"..؟ هؤلاء هم أمجادنا من العلماء وكيف كانوا ينعتون بالزندقة والكفر في عصر من قبل الأصوليين والمتحجرين فكريا، هؤلاء الذين يؤمنون بالظاهر و لا يقيمون وزنا لباطن الأشياء في حين – وهذه مفارقة ثانية في زماننا هذا – يوجد بيننا زنادقة العصر ولكن ليس بما تفوقوا به من علم وفكر وتفتح واستشراف ولكن بما يؤمنون به من حضارة الموت والقتل والخراب والرجوع بالإنسانية إلى العصور الحجرية أو إلى ما قبلها وأعني بكلامي "الدواعش" هؤلاء المجرمون والعملاء الذي يصولون ويجولون بالقضاء على كلّ ما فيه أمل وحياة واستبدالها بكل ما فيه موت ودمار لكلّ ما هو جميل وانساني. يبلسون في ذلك رداء الدين وهو براء منهم هذه الطغمة ما مرّت بأرض إلاّ وزرعت فيها الموت والفناء والخراب والسواد فمن قادر على رميها بالزندقة بالمفهوم الصحيح للكلمة ؟ من منّا قادر على ايقاف هذا التيار الجديد من الزنادقة بامتياز..؟ أين علماء الدين الأشاوس..؟ لماذا لا تتحرّك "الماكينة" الدينية التّي تحرّكت فقط لنشر حضارة ختان البنات ونشر حضارة جهاد النكاح والترويج لجهاد المسلم ضدّ المسلم واستباحة دمه في حين يبررون ما يقوم به الصهاينة من تنكيل وترويع في فلسطينالمحتلة من قبل كمشة من الصهاينة؟ فلماذا لا توجهوا بنادقكم وأسلحتكم وعتادكم وتوظفون "دينكم" يا حضرات "الدواعش" لتحرير فلسطين في الختام وأمام هذه الرهوط من زنادقة هذا العصر، أدعو اللّه أن أتزندق كما تزندق الرّازي وابن رشد وابن الهيثم وابن سينا والكندي وأدعوه كذلك من أن يتزندق كل أبناء وطني كما تزندق هؤلاء الزنادقة العلماء حتّى ينهضوا بهذا الوطن وسيشهد لهم التاريخ بذلك كما هو شاهد الآن على قيمة ابن سينا وابن رشد وابن الهيثم والكندي وغيرهم من العلماء الذين أفادوا الانسانية رغم زندقتهم...