"ليس للحياة قيمة الا اذا وجدنا فيها شيئا نناضل من أجله" تكاثرت الايام الاخيرة التصريحات على الكرونا من المدعين معرفته٬ واغلبهم لا يفهموا شيئا من الامر٬ ولم يطلعوا على ما يكتب في العالم٬ اذ اغتنمت وسائل الاعلام الفرصة٬ لتخويفنا بواسطتهم٬ وبعث الرعب فينا بنقل غبائهم٬ علما وان الذعر يسبب الكارثة أكثر من الفيروس٬ اذ يعتقد الاطباء ذات الكفاءة ان خمسين في المائة من الشفاء او المرض هو راجع الى الحالة النفسية التي عليها المريض٬ وقد اثبتت التجربة والدراسات ان المسنين هم اكثر هشاشة ان كانوا مصابون بأمراض مزمنة لأن المناعة عندهم لا تقدر على مجابهة الفيروس الذي ينتشر بسرعة وسهولة، ويلوث كثيرًا بسهولة، ولكنه يقتل القليل، ويسبب المزيد من الخوف من الأذى… نترقب كل يوم ان تأتينا من المصادر العليمة العجائب من المشرفين على وزارة الصحة٬ ومن المقربين من الوزير٬ وكم كنت حزينا لمشاهدة وزير الصحة ومدربه في حركات رياضية في بيته٬ تنم عن قلة وعي٬ وشعوبية اقل ما يقال فيها انها غير مطلوبة من المريض٬ ومن ماتاه لا يستغرب٬ ولا حاجة للمشاهد الالتفات اليها٬ او الاقتداء بها٬ ولا احد يجازف٬ من مسؤولي الدولة في اعلى مستوى الى ردعه٬ لأنه يسيء حتى الى سمعة تونس٬ وحتى الى وضيفة وزير التي اصبحت كما ينعتها احد الفكاهيين "احذف الواو واقرا البقية"٬ والغريب لمن اسعفه الحظ ان تحمل مسؤوليات عليا في الدولة٬ ان الوزير نفسه في جلسة عمل دار فيها الحوار المجتمعي حول الصحة والتصرف في الموارد المالية والبشرية للقطاع، وضمان توفر الادوية٬ وبصفة عامة اصلاح المنظومة بأكملها٬ من خلال وضع سياسة وطنية٬ ومما يلفت الانتباه حضور مدير مكتب منظّمة الصحّة العالميّة بتونس٬ وهو من المرفوض وجوده داخل هياكلنا٬ ومن عدم المسؤولية ان تفتح ابواب بلادنا لمن هب ودب٬ مهما كانت درجته٬ وانتماؤه٬ وعلاقاته الشخصية بالوزير٬ فهو تحد على السيادة الوطنية٬ ورئيس الدولة مسؤول على حمايتها وادى اليمين من اجلها٬ اما على تفشي الكرونا فحدث ولا حرج٬ وقد نبهنا لخطورة المتدخلين عن طريق وسائل الاعلام٬ و تسيس الكارثة لفائدة احزاب مهما كانت٬ واقترحنا ان يكون المدير العام للصحة هو الذي يدير الوباء٬ ولا احد مسؤول غيره على التحدث عن واقع الجائحة٬ وتطورها في تونس وفي العالم٬ لان التشويش والادعاءات الغير مرجعية٬ من المتطفلين على ميدان الصحة٬ خطر على حياة المواطن٬ اذ لهم تأثير على من ليس هو ملم بالموضوع٬ والبلاد في حاجة اكثر مما مضى الى طمأنينة٬ وقد فقدت بتداول الحكومات الضعيفة اصالتها٬ وقوة لحمتها٬ ومكانة اشعاعها بين الدول٬ واصبحت تئن تحت وطأة من لن يعتقد في سيرها الى الامام٬ ويخطط لهدم اصولها٬ والتنكر لزعمائها٬ ويبحث على ابتزاز ثرواتها٬ باسم ديمقراطية مزيفة٬ ازداد بفضلها فيها الغني ثروة٬ والفقير نكبة٬ والثوري غموضا٬ وما البلاد في حاجة اليوم الى تمزق٬ وكفاها معانات٬ بل الواجب يحتم على الذين تولوا ادارة الحكم٬ التخلي عنه عن طواعية٬ وترك المجال للشباب٬ الذي اصبح غير مكترث بالسياسة٬ الفرصة للعودة للمشاركة٬ ولبعث حيوية الاطلاع٬ وعمق البحث٬ و مثال التضحية٬ فالمصير اصبح مخيفا٬ والتصرف في اموال الشعب في ضبابية٬ ولا يظهر في الافق من ينير المسار٬ لان الاحزاب على تنوعها ليس لها من المناضلين الا قلة٬ لأنها مبنية على افراد وعشائر٬ لا على مبادئ وتصورات تؤهلها للحكم٬ اخلت بدورها في التوعية والتثقيف٬ وعملت بكل جهدها على استمرارها في الساحة لا غير٬ بدون تفكير في المستقبل٬ و لا برمجة للأفاق الاقتصادية والاجتماعية والبيئية٬ والصحية التي اصبحت اولوية الاولويات٬ لأن الكورونا كشف عن الوضع الكارثي، الذي اصبحت عليه مؤسساتنا من عدم البرمجة٬ وافتقار الكفاءة المطلوبة٬ وتضخيم الانا في كل مراكز النفوذ٬ فما فائدة الوزير إذا لم يكن يدعو الى تعزيز الحقوق، ويطالب السلطة التشريعية بتغيير إطار القوانين، وقبل كل شيء إزالة الحواجز، وقد عانت البلاد الكثير من الفشل السياسي٬ منذ الانقلاب الطبي، وهي هزيمة للعمل العام، وللفكر السياسي بصفة أخص٬ حتى ان الخطاب نفسه اصبح وهما، لان السلطة تحولت الى مكان آخر، في كواليس المفاوضات الخفية، بين اهل المال واهل الجاه، وما يبدو من خطوات الحكومة ان الاتجاه هو الى سياسة ليبرالية المراجع، ستجر كل يوم اكثر فاكثر الى الافلاس، ولا لوم اذا على جيل الشباب٬ الذي تم حشده الى حد كبير خلال الثورة، وكان في اول التزاماته السياسية والنقابية والتشاركية، للحكومات التي تدعي انها ضد الفساد والرجعية، ان يطالب بإلحاح انجاز ما نادت به الثورة من شغل وعدالة وشفافية وحرية، كيف يجد نفسه اليوم في مآت احزاب وعشرات الآلاف من الجمعيات؟ كلها تغني نفس النغمة باسم الشعب، و تصرح بتلبية رغباته، لكن هيهات، لما تأخذ المقود، وجرب ذلك، تزداد الرشوة، ويعم الفساد، وتصرف اموال الدولة في جبر الاضرار، وفي تشغيل مؤسسات دستورية صورية، اغلبها غير ملتزمة بقوانينها المشروعة، وتنبعث الاصوات من هنا وهناك لإعادة النظر في كيانها وتشكيلها، والبلاد اصبحت تسير اليوم راسا على عقب، واضمحل الاختلاف بين يمين – يسار، واصبحت موضة الالتزام بينهما "لا هذا ولا ذاك"، و ما يجري في المشهد السياسي غير معلوم بالمرة اذ اصبحت التصنيفات المسبقة، عوض البناء على ما هو ايجابي وتجاوز كل ما هو سلبي في تجربة تونس الرائدة، والمهم في خاتمة المطاف ان تكون اليد مفتوحة لكل الكفاءات، للمشاركة في تسيير الشؤون العامة، ولنتذكر بورقيبة رحمه الله، الذي كان يقول لرفاقه في آخر حياته - رواها لي المرحوم محمد الصياح طاب ثراه- "عندي حاجتين: الموت ما نخافش منها والفلوس ما نلوجش عليها"، فلنقتد به في مواصلة النضال من اجل تونس لا غير، ونجعل نصب اعيننا قوله تعالى: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان» صدق الله العظيم هوامش: رجب حاجي : دكتور في الاحصائيات- دكتور في الاقتصاد- شهادة تكوين مستمر بجامعة هارفارد الأمريكية - ألف أربع كتب في علم الاحصاء في المستوى الجامعي- اول رئيس بلدية ملولش- شغل رئيس ديوان المرحوم محمد الصياح عشرات السنين ورئيس ديوان وزيرة الصحة ومكلف بمهمة في اختصاصاته لدى رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر اطال الله عمره الى غيرها من المسؤوليات الوطنية.