التجربة التشكيلية في تونس عرفت بتميّزها من حيث تعدّد ألوانها وتياراتها وتجاربها، ذلك أنها نهلت من خصائص الحياة التونسية بشتى أطيافها وإنجازاتها إلى تيارات الحداثة الفنية التي عرفتها أوروبا والعالم بصفة عامة. من بين هذه التجارب نذكر تجربة الفنان التشكيلي الهادي فنينة أصيل مدينة الحمامات الذي قضى فترة من مسيرته في أوروبا وخاصة بألمانيا حيث أقام عديد المعارض، كما أنه برز مع آخرين منهم عبد الرزاق الساحلي وعلي بن سالم ضمن تجربة الاحتفاء بالخصوصية الفنية والثقافية المحلية بالخصوص... ماذا لو يأخذ فنان ما شكل مدينة بأسرها...الأمكنة و العناصر و التفاصيل و العطور...الحالات و الأحوال..نعم تلك هواجس الفنان الطفل في العقد الثامن من حياته التي طوع حيزا كبيرا منها للون وفتنة القول بالجماليات يرتجي شيئا من البهجة و السعادة و الدفء يهديها للانسان في هذا الكون الذي تتهدده رياح عاتية شتى....هي ألوان الحمامات المتعددة و التي تختلط لتشكل علامات بامضاء عمالهادي.. الفن..و الحياة و الأسئلة.....عرفت الرجل من سنوات يمضي مع الألوان منذ طفولته الأولى لا يبحث عن شيء سوى أن يغوص في كنه الأشياء و التفاصيل و العناصر و كل ما من شأنه أن يمنحه شيئا منزاد الرحلة و الطريق..الطريق الصعبة و المربكة التي سلكها الى عدة بلدان و منها بالخصوص ألمانيا التي تلقى فيها و منها الكثير..الخبرة و الفن و النظرة للأفكار و البرامج و المشاريع.. "...كالألون على قلقها الدائم لا شيء يأسره... يعصر الحكايات و الذكرى و من فكرة يكتفي بالسؤال الرهيب هو من يسمع غناء المتروكين و المنسيين أو ينتبه للكارثة في قلبه أغنيتان : الحمامات ....فلسطين لذلك هو يلهو بالوجوه و الأمكنة يقف عند اللوحة في جنون كالعاصفة رجل تراه في القماشة بالحيرة العظمى البحر موسيقاه و البرج محنة التاريخ لديه .....ولكنه الطفل العابث يحنو على الضوء يحمله الى غرف القلب و يطلق هيستيريا الضحك.. ساخرا من الأكوان مثل فراشات من ذهب الأزمنة....".
في الفترة الأخيرة ..هكذا و في غفلة من الجميع..تم استهداف عدد من الأعمال الفنية و التشكيلية ل"الدلفين " بالحمامات و في رواقه ..اعتداءات بالتخريب للوحات عبر التمزيق و العبث بسنوات من الجهدالابداعي لفنان تونس الكبير الهادي فنينة... رده كان حضاريا و عاجلا و هو العمل على معرض فني تجاوب معه الجمهور الثقافي و المحبون لفنه و رواد الرواق بالمركز السياحي بالحمامات..الرد هو وكما جاء على لسانه (Nous devons remédier cette maladie: " Le Vandalisme " en Tunisie, par l'amour et le pardon.. !) نعم هكذا هي عناوين الفن لدى الدلفين الحمامي..الفنان الهادي فنينة أجاب بمعرض خاص لمواجهة العبث و التخريب الفوضى بالفن..بالحب و التسامح..لوحاته كانت باتجاه القول بالفن كملاذ و طريقة للنمو و التقدم و الارتقاء بالخطاب الجمالي و الوجداني و الانساني .. قي تجربته كانت هناك محطات خاضها " الدلفين " تجاه كائنات أخرى لا يهتم بها الناس و لا تخطر أحيانا على مخيلاتهم..أراها الآن في اللوحات بمرسم عم الهادي بالحمامات ..كائنات بأطيافأشكالها و ألوانها في حالات من الوله و الانتشاء ..هي سعيدة بنسيانها من قبل الآخرين..كائنات لا تعرف العناية و لا الفرح .. كان يحب الناس..الهادي فنينة ( الدلفين ) يذكر نصيحة أمه رحمها الله ( حين تتعب يابني اتجه نحو الطبيعة ..البحر و الأشجار و احمل زادك و قارورة ماء..الفرار الى الطبيعة )..و هذا ماقاله الدلفينللسائح كنصيحة ..و ذهب باتجاه البحر و مشى لساعات من الحمامات الى قليبية ...و وجد راحته و استمتع و من التعب نام لمدة يومين ..و هذا ما جعله يستلهم قصائد منها..هذه الحادثة..هو شاعرألماني و اسمه ( بيتر فوس ) من بريمن هافن و قد كتب أشعارا عن " الدلفين "( الألوان التي قبضت عليها ) منها : ...ما رأيناه أشياء خفية..لامرئية.. الأشياء خارجة من أشياء ظاهرة و معلومة الحاجة الغريبة خارجة عن حاجة مألوفة الحاجات التي لاتنسى في الحياة مختارة من الحاجات التي تنسى الحاجات التي لا ترى من الحاجات الملموسة دقات القلب التي لا تسمع هي التي ترسم ............... السعادة الكبرى ..الحب أو العذاب جراح العروق و القلوب المفتوحة .. قامات المساء مثل أزقة تطول من لهب حار كالحقيقة من الطفولة يظهر الوقت بلا نهاية عند النور في النجوم في الهواء .. الرسام يلون جوابه على قماشة من نجوم يرسم افريقية ..الموت يخرج رائحته من أوروبا التي توفيت من فترة و هذا الضوء الصغير يحفظه فنينة في غرف القلب و يهدينا صبرا و طمانينة من ذلك القلب الذي يحفظ فيه الضوء الصغير على جدران مضيئة