تقول الحكمة السياسية والتي يجب على العقلاء ان يصدقوها وان يحترموا من قالها (كل دولة يخدمها رجالها) كما يجب عليهم ان يصدقوا ايضا تلك الحكمة الاصيلة التونسية الأخرى التي حفظتها الأجيال بعد الأجيال وتناقلتها الالسنة والشفاه (من يشتهي شهوة يديرها في عشاه) او ليس اذن من الافضل ومن الانسب وانطلاقا من هذا المبدأ الثابت ومن هذا المنطلق السليم ان نعتبر ما قام به الرئيس اردوغان من اعادة ومن ارجاع متحف اسطنبول الى حالته ووضعيته القديمة اي مسجد لاداء صلاة المسلمين بعد ان حوله مصطفى كمال اتاتورك في زمان وفي عهد حكمه العلماني متحفا تاريخيا للزائرين اقول اليس من المنطق السليم ان نعتبر ان ما قام به اردوغان هو من حقه باعتباره اليوم رئيسا للشعب التركي وعلى راس قادة وخدم رجال الدولة التركية وليس لاحد حق محاسبته الا شعبه عن طريق دستور البلاد وعبر صناديق الانتخاب؟ إذ لا شك انهم وحدهم يعرفون جيدا قبل غيرهم هل اخطا رئيسهم اردوغان في قراره هذا ام اصاب ؟ اما اليونانيون والاتحاد الأوروبي واليونسكو والروس والأمريكان وكل الطوائف المسيحية العالمية ومن تبعهم ومن لف لفهم من اهل الشرق ومن اهل الغرب الذين غضبوا من قرار اردوغان فلا شك انهم لا يملكون اي حق يسمح لهم بالتدخل في سياسته وفي قرارته الدينية والثقافية وفي سلطته المطلقة على تراب وارض بلاده التركية كما عبر هو بنفسه عن ذلك في كلمته التي عقبت قراره بصفة عاجلة فورية.. هذا من الناحية السياسية اما من ناحية ثانية تاريخية دينية فمن المعلوم لدى المؤرخين ولدى عدد كبيرمن العموم ان محمد الفاتح رحمه الله القائد المسلم العظيم وفاتح البلدان والأرضين وبعد سقوط القسطنطينية في ايدي العثمانيين وهي معقل احدى اعظم الكنائس المسيحية قد حول سنة1453 كنيسة ايا صوفيا الى مسجد بعد ان احدث في عمارتها بعض التغييرات كما يوجب ذلك ويضبطه الفقه الاسلامي في شروط أداء الصلوات وقد استمر الأمر على هذا الحال قرابة الخمس قرون اي الى سنة(1935) وهي السنة المساوية التي قرر فيها الرئيس التركي العلماني كمال اتاتورك الذي قضى على الخلافة العثمانية تغيير صفة هذا المسجد التاريخي العظيم من صفة مسجد تودى فيه الصلوات الاسلامية الى متحف تاريخي تزوره كل الطوائف العالمية ...اذن وبناء على ما تقدم ولما كان تغيير صفة هذا المسجد قد تمت على يد رئيس تركي افلا يكون من حق الرئيس الحالي التركي ايضا اردوغان وهو لا يقل اليوم شانا في نظر الشعب التركي في قوة الشخصية عن الرئيس المتقدم كمال اتاتورك اقول افلا يكون من حقه ان يقرر اعادة هذا المتحف الى سالف وسابق صفته اي كبيت ومقام لاداءصلوات المسلمين؟ فاي الرئيسين ايها العقلاء كان على الحق الأبلج والنهج المبين؟ الرئيس الذي غير صفة هذا المسجد وتحدى مكانته الدينية التاريخية الاسلامية لدى المسلمين والتي امتدت قرابة الخمسة قرون ام الرئيس الذي اعاد هذا المسجد الى وضعيته وصفته الدينية الطبيعية التي حزن وبكى وندب على فقدانها وعلى ضياعها ملايين المسلمين في تركيا وفي غيرها من بلدان المسلمين؟ وعلى كل حال ومهما يكن من امر فانني اعود فاقول للمنتقدين الذين يتصيدون في الماء العكرويبحثون ويفتشون عن المطاعن وعن المغامزوينشرون الشكوك حول كل صغيرة وفي كل كبيرة ياتيها هذا الرجل اقول لهم هذا هو قرار اردوغان اليوم قد تم وقد مر وهذا هو اجتهاده الذي ادى به حسب عقيدته وحسب قناعاته الفكرية الى اعادة متحف اسطنبول الى مكانته والى وظيفته التاريخية الدينية ولا اظن ان لاحد من الناس الحق في لومه انطلاقا من نوايا مبيتة سياسية ومن احقاد دفينة تاريخية وما احسن ان ترك الحكم والنقد لشعبه ولاحزابهم السياسية الم يقل ذلك الحكيم العربي القديم الذي جمع ابواب الحكمة من اطرافها واقطابها (اهل مكة ادرى بشعابها)؟ اما عن التونسيين وبقية العرب الذين انتقدوا اردوغان وهم قلة قليلة والحمد لله لاقدامه على هذا الأمر فاننا نقول لهم انطلاقا من تلك الحكمة العربية التي ذكرناها هل نسيتم يرحمكم الله انكم لستم من اهل مكة ولستم من شعابها ولستم من صحرائها ولستم من جبالها وانكم قد اعلنتم مرارا وتكرار انكم ترفضون ان يتدخل اردوغان في شؤون بلادكم فاتركوا الرجل يفعل في متاحف بلاده وفي معالمها وفي تراثها ما يريد وما يشاء مادام لم يغضب رب الأرض و رب السماء اوليس هو صاحب الأرض وصاحب القرار فيها وصاحب الغذاء وصاحب العشاء؟ وهل تظنون ان شعبه عاجز عن الرد عليه بما تعلمون وبما لا تعلمون ان ثبت لديه ان رئيسه فعل به وبارضه وبتراثه ما يفعله الظالمون؟ ولكنكم رايتم كيف تقبل الأتراك وهم على ما هم عليه من الثقافة العظيمة الدينية والتاريخية والعلمية والقانونية وعلى راسهم المحمكة الادارية العليا التركية قرار رئيسهم وزعيمهم التاريخي بصدر رحب بل بكل اريحية وبكل سعادة بل ربما سيجعلون يوم قراره هذا عيدا من الأعياد يضيفونه الى ما في تاريخهم العظيم من المناقب ومن الأمجاد لانهم متاكدون ان رئيسهم رجل مسلم ووطني نادر الوجود في هذا الزمن الرديء البائس المنكود وانه لا يبحث لشعبه الا عن السبل والمناهج التي تحقق له الكرامة والعزة والسيادة وهل امثال هذا الرئيس في بلدان الاسلام كثيرون؟ اجيبوني ايها المنتقدون وايها الحاقدون وايها الغافلون؟