الباجي السبسي في تدوينِهِ لحيثيات تشكيل دولة الاستقلال،قال: حين إستوزرني بورقيبة أعلمته بأني عديم الخبرة. فلم يكن جوابه إلا أن قال لي: كلنا بلا خبرة!! وهذه الحقيقة تنسحب ايضا على جل مشاهير الزعماء: عبد الناصر، بومدين، نهرو، ماو ، لينين ..وو.. فلمذا نجح هؤلاء وفشلنا نحن الآن رغم كثرة المتعلمين حتى أضحى الاستاذ والمهندس صانع قهواجي؟!! عشرة مهندسين مرضى بالمناكفة والمماحكة لن يُفلحوا في بناء جدار طيلة أيام.فإنجازهم لن يتعدى بضعة اطوار، مع كومة مرعبة من المَلاط الضائع لكن نفس العمل ينجزه في يوم واحد عاملٌّ وبنّاءٌ دون ضياع كيس واحد ! فالأزمة ليست ازمة كفاءات بالأساس، وإنما ازمة تنسيق وتناغم وانضباط لا يترك مجالا للفوضى و هدرٌ للطاقات. وطبعا الشخص الذي يفرض الإنضباط الإيجابي هو شخص إيجابي مؤهَّل للقيادة،حتى دون ان يكون بالضرورة الأكثر كفاءة.فالزعامة غير مرتبطة ارتباطا وثيقا بالكفاءة.بل هما بُعدانِ متفرقان أي تفرّقِ!.. التكنوقراط كالآلة الحاسبة او كالحاسوب المكتبي، ضروري لكن لا يكفي. هو كالباحث أو كالعالِم الذي عيناه لا تكاد تغادر الميكروسكوب أو التلسكوب الذي به يرى ما لا يرى غيرُه،لكنه في نفس الوقت لا يرى مايرى غيرُه ،فهو دائما في غفلة عن اشياء اكبر من "اشيائه"! أما المثقف فهو الأقدر على القيادة لشموليةِ نظرتِه كما ذكرنا.لكنه طبعا لا يستغني عن التكنوقراط كمستشار او كمساعد او حتى"بوصلة" التي رغم اهميتها،فهي لا تغني عن الرُّبّان، لاسيما عند هيجان البحر!.. ففي المراحل المضطربة الثورية، كما نحن الآن، الجماهير لا يقودها تكنوقراطات ،وانما المثقفون الثوريون...أما التكنوقراط فهو يُثير اشمئزازها بإعتباره "عديم الروح".. والمعلوم عن قادة الثورة الفرنسية انهم حين اعدموا بالمقصلة العالم لافوازيّه( أب الكيمياء الحديثة) قالوا :لا حاجة للثورة بالعلماء! بعد تشكيل الحكومة ساذجٌ وعديمُ الإدراك كل من يتوهّم بأن ما أقدم عليه الرئيس قيس سعيد يستطيع أن يقوم به شخص آخر ،أو ينوبه فيه شخص آخر !! فما كان لهذا ان يتاح لولا ثقة الشعب وتأييده. من تكتيكات المتحاملين الآن على الحكومة هي العمل على تشويه وهدم هذه السمع التي تستحق ان نطلق عليها "زعامة هادئة".ويتضح هذا من تصريحات العديد من الحزبيين او بعض الصحافيين وخاصة من الحملات الفايسبوكية الكثيفة المسعورة(رغم انها تجد صدّا دفاعيا اقوى منها،لكنها كالذباب المتوحش ،تهرب وسرعان ما تعود !) المتحاملون، ولا سيما الحزبيين، ومهما كانت تعلاتهم ، فهم راكبون على ثورة الشعب الذي نكبوه بشراهتهم وانانيتهم البغيضة فأعمت بصائرهم وضمائرهم فلم تترك فيها مجالا لإدراك كنه مقولة قيس سعيد منذ سنوات: [ الدستور هو ما خطّه شباب الثورة على الجدران] !.. وتبعا لهذه الأجواءالمتوترة العدائية فالحكومة، حتى لو مرّت بالبرلمان، فستكون لاحقا عرضة لمزيد الإشاعات والتحريض وربما حتى التخريب السري كالحرائق.. إذن كل المؤشرات تؤكد بأن طريق الحكومة ستكون محفوفة بالمخاطر والمنزلقات كمن يمشي على حبل فوق نهرِ التماسيح!.. ولذا نرى ضرورة الشروع في هيكلة المجالس المحلية التي ستكون بعون الله أعظم وجاء!.. (انظر مقالي:الصريح، قيس سعيد وعدم لزوم ما يلزم)