لقد قال ذات مرة، هنري كيسنجر، المتعجرف: يستطيع القويّ أن يكذب دون أن يكذّبه أحد ، معلنا أنّ القوّة هي الحقيقة الوحيدة. لهذا يكون الإرهاب ما اصطلحت السلطة الأمريكية علي أنّه إرهاب، تاركة المستضعفين يرثون ضعفا مضافا إلى ضعفهم، واستجداء متواترا لن يقيم قرابة أبدا بين الضعف والحقيقة، ولهذا يعاني العالم العربي سياسة أمريكية هي مزيج من غطرسة القوّة والنزعة الصليبية القديمة وروح اكتشافية مؤمنة تساوي ضمنا بين الفلسطينيين، والهنود الحمر الراقدين في مقابر لا عدد لها.. لذا، لم يكن المفكر الراحل إدوارد سعيد مخطئا، حين فسّر الهوى الأمريكي لإسرائيل بذاكرة جماعية أمريكية قديمة ترى في الصهيوني في فلسطين إمتدادا ل روّاد الغرب الأمريكي القديم.. ومن هنا، قد لا أضيف جديدا إذا قلت انّ النّاس ليسوا من حجر، ولا هم أغبياء، إنّهم يرون استقلالهم مصادرا، وثرواتهم وأرضهم وحياة أبنائهم مستلبة، وأصابع الإتهام التي يرفعونها تتوجّه إلي الشمال:إلى المواطن الكبرى للنهب والإمتياز. ولا مناص للترهيب من أن يستولد الترهيب. ولكن...كم صبر المقهورون ! إنّ أصوات غضبهم تُسمَع اليوم، والعذابات اليومية التي كانت تجري في أماكن قصيّة ذبيحة وصلت أخيرا إلي ديار الطغاة.