وأخيرا انتهت معركة تشكيل الحكومة ومعها أخمدت نيران الصواريخ التي كانت مستعدة للإطلاق من منصاتها وأسدلت أفواه البنادق الموجهة نحو منظومة الأحزاب وتخلص هشام المشيشي من عبء الرئاسة التي كلفته بتشكيل الحكومة قبل أن تنقلب عليه في الأمطار الأخيرة من مسار تكوين الحكومة في خطوة غير مفهومة لتطلب من الأحزاب في البرلمان اسقاطها وأيقن أنه يراد له أن يكون موظفا يعمل في مكتب عند قصر قرطاج لا رئيس حكومة وأن الفريق الحكومي الذي اقترحه يقع تغييره في كل مرة من قبل دوائر الرئيس الذين كثرت حولهم الأنباء عن تحولهم إلى الرئيس الفعلي حتى أضحى المشيشي غريبا عن الوزراء المعينين لا يعرف منهم أحدا و هذا التمشي والتصور الذي سلكه رئيس الجمهورية في تعيين الشخصية الأقدر لتشكيل الحكومة قد أجبر المشيشي على تغييره والعودة إلى المسار الصحيح الذي يقره الدستور حينما أعطى للرئيس حق تعيين شخصية لتولى منصب رئيس الحكومة على أن يتولى هذا الأخير اختيار و تشكيل أفراد حكومته بكل حرية من دون تدخل لا من قريب ولا من بعيد من طرف الرئاسة. ما هو مهم اليوم هو أن المشيشي قد استعاد زمام المبادرة واستعاد استقلاليته عن الجهة التي رشحته واستعاد صورة رئيس الحكومة التي كاد يفقدها وتحصل على ثقة البرلمان بعدد مريح من الأصوات وبدعم من الحزبين الكبيرين فيه النهضة وقلب تونس ..المهم هو أن رئيس الحكومة الجديد على خلاف ما قيل في شأنه من كونه شخصية مستقلة من الكفاءات الإدارية غير متحزبة قد أثبت بسلوكه الذي فك به الارتباط عن الرئيس قيس سعيد أنه يفقه في السياسة وأنه قدر الأمور جيدا واتخذ القرار الصائب في الوقت المناسب الذي يصلح له بعد أن غير وجهة حزامه السياسي من قصر قرطاج إلى قصر القصبة. ما هو مهم اليوم هو أن هناك مؤشرات على عودة الأمل في إنقاذ البلاد مما هي فيه من تراجعات كثيرة وخاصة على المستوى الاقتصادي في علاقة بمؤشرات الاستثمار ونسبة النمو والبطالة والمقدرة الشرائية والتداين والعجز في الميزان التجاري والتضخم والموازنة وغير ذلك من المؤشرات فالفريق الحكومي الجديد يمتلك من المؤهلات ما يمكنه من النجاح في المرحلة المقبلة . ما هو مهم اليوم أن يترك للحكومة الجديدة حيزا من الزمن للعمل ومساحة هادئة لتنفيذ برنامجها الذي أعلنت عليه وأن يجري الجميع هدنة سياسية واجتماعية لتوفير مناخ مريح للعمل بعيدا عن التوترات والتقلبات التي أثقلت المرحلة الماضية . هناك اليوم أمل في هذه الحكومة بأن تقف سندا للبلاد وأن تبذل الجهد في انقاذها وحل مشاكلها البارزة و التي اتعبت الشعب وشكلت صعوبات أعاقتها عن الإقلاع. اليوم هناك أمل في هذه الحكومة التي يقال عنها مستقلة ومن خيرة الكفاءات الإدارية أن تحقق ما لم تحققه كل الحكومات التي تعاقبت بعد الثورة ببعدها عن الأحزاب وفي عدم خضوعها لرئيس الدولة فكل الانطباعات التي رافقت الإعلان عنها تقول أنه بمقدورها أن تنجح على الأقل في وضع البلاد على الطريق الصحيح وإيقاف نزيف الاخلالات والتراجعات المالية والاقتصادية وهذا يتطلب شرطا وحيدا أن يتفق الجميع على إبرام اتفاق هدنة سياسية واجتماعية تحتاجها البلاد. قد ينجح المشيشي فيما فشل غيره من رؤساء الحكومات وقد تنجح هذه الحكومة فيما اخفقت فيه الحكومات السابقة وقد يكون مؤشر إعادة الأمل والثقة في السياسة والسياسيين بفضل هذه الحكومة وقد تحقق البلاد إقلاعها الاقتصادي والاجتماعي والمالي معها .. صحيح ان المرحلة صعبة والتحديات كبيرة والرهانات متعددة والعراقيل لا تحصى والأرقام والمؤشرات كارثية ومع ذلك هناك إحساس يخامر الكثير من أنه رغم كل ذلك فإن النحاج ممكن والتوفيق جائز فقط لو يضع الجميع هدفا واحدا جوهره أن المرحلة المقبلة هي مرحلة انقاذ البلاد لا غير…