العودة المدرسية لهذه السنة لم تكن عودة موفقة رغم كل التعهدات التي أعلن عنها وزير التربية الجديد بتوفير كل المستلزمات الضرورية التي تحتاجها المدرسة والتلاميذ والإطار التربوي وتدارك كل النقائص التي نبه إليها الكثير من الناس وهي نقائص ليست بالجديدة وإنما يعرفها القاصي والداني، وتعود إلى سنوات عديدة ويعيد الحديث عنها كل وزير تربية جديد أثناء حديثه عن المدرسة والإصلاح التربوي حيث تم رصد إخلالات كثيرة رافقت انطلاق السنة الدراسية الحالية لا تشرف «تونس بلد حضارة 3000 سنة» كما نقول ونتباهى ولا تليق بدولة الاستقلال والدولة التونسية الحديثة التي من مفاخرها المدرسة التونسية العصرية حيث تحدث رئيس الحكومة السيد هشام المشيشي في أول خروج إعلامي له أثناء زيارته لبعض المدارس بالعاصمة عن صدمته الكبيرة لافتقارها لأبسط مستلزمات المدرسة كالماء الصالح للشراب ووجود دورة مياه بالحد الأدنى الذي يسمح بتقديم خدمات للتلاميذ ووجود نوافذ غير مهشمة وأرضية مبلطة وأقسام صالحة لاستقبال التلاميذ وتقديم درس عادي. وقد زاد الطين بلة تزامن العودة المدرسية لهذه السنة مع تواصل انتشار وباء فيروس كورونا الذي يعرف اليوم تمددا واتساعا بعد تزايد العدوى المحلية بطريقة غير مسبوقة ومن دون أن تكون مدارسنا قد استعدت جيدا لهذه الأزمة الوبائية فقرار استئناف الدروس في توقيتها المحدد لها ومن دون تأجيل وفتح المدارس من جديد بعد توقفها لقرابة الستة أشهر لم توفر لها الدولة كل الظروف المناسبة حتى ننجح هذه العودة بأقل أضرار ممكنة فبالإضافة إلى وجود قرابة 450 مدرسة تفتقد إلى الماء الصالح للشراب الشرط الضروري للنظافة والذي يستوجبه البروتوكول الصحي للوقاية من العدوى من خلال غسل اليدين فإن وزارة التربية لم توفر للتلاميذ السائل المطهر وغطاء الوجه ولم تزود المدارس بمواد النظافة ومواد التطهير بما يسمح من استئناف الدروس في ظروف تكون قادرة على مواجهة الجائحة ومن دون تعريض التلاميذ إلى المرض. المشكل الذي يتكرر كل سنة ونسمعه في كل خطاب لوزير تربية جديد أن حالة البنية التحتية المتهرئة لمدارسنا ليست بالجديدة ولا هي وليدة اليوم وإنما هي مشكل قديم قد زاد بعد الثورة وتفاقم إلى درجة أن أصبح الحديث عنه حديثا معادا ولا يثير تعجب الناس ولا استغرابهم وهي إخلالات تعود بالدرجة الأولى إلى غياب المسؤول الكفء وغياب المراقبة والمتابعة وفي ضعف التسيير عند الكثير من القائمين على الشأن التربوي فرغم محدودية الميزانية المخصصة للتربية فإنه بقليل من المتابعة والحرص يمكن تدارك الكثير من النقائص فما ينقص اليوم المدرسة العمومية حتى يعود لها اشعاعها المسؤول الغيور عليها وعلى التعليم العمومي هو المسؤول الذي يحرص على القيام بأعمال التعهد والصيانة في وقتها حتى لا نرى مدارس تنطلق بها أشغال البناء في الاسابيع القليلة من بداية السنة الدراسية. مشكل مدرستنا وتعليمنا إلى جانب ضعف البرامج الدراسية والمقرات والمناهج والزمن الدراسي ومشكل المربي الكفء الذي تقوم عليه المنظومة التربوية وعملية الاصلاح ونجاح التغيير، مشكلنا في غياب المسؤول الإداري الحريص على صيانة الفضاء المدرسي وتعهده في حينه فمن غير مدرسة يتوفر بها الحد الادنى من مستلزمات المدرسة العصرية لا يمكن أن نقدم درسا مثاليا ولا يمكن أن نوفر للتلاميذ مناخا وإطارا ملائما لتلقى العلم والمعرفة فالفضاء المدرسي عنصر أساسي في العملية التربوية وإن تعليم من دون فضاء مدرسي محترم لا يمكن أن تنتظر منه الكثير. مشكلة مدرستنا التونسية هي في المقام الأول مشكلة القائمين عليها والقائمين على التربية والتعليم والإداريين والمسؤولين الذين موكول على عاتقهم متابعة ومراقبة ومرافقة الوضع داخل المدرسة وداخل الفضاء المدرسي فالتخفي وراء قلة الموارد وضعف الامكانات لم يعد اليوم يقنع لتبرير ما آل إليه وضع التجهيزات المدرسية فالدولة اليوم قد وفرت الاعتمادات اللازمة للقيام بأعمال الصيانة والترميم والإصلاح والبناء وما ينقص هو الحرص والمتابعة من قبل المسؤول الاداري الذي أصبحنا تفتقده ونفتقد خبرته وإرادته وحرصه .. اليوم هناك خلل كبير وواضح في الأداء وهناك تراخ كبير في العمل وهناك لا مبالاة نلاحظها عند القائمين على مدارسنا وإلا كيف نفسر كل هذه السلبية التي اضحت تميز المسؤولين في المندوبيات للتعليم والمديرين في المدارس. إن مشكل التعليم اليوم في تونس هو مشكل غياب المسؤول الاداري الكفء…