عرفته قلما يكتب افتتاحية جريدة الشعب فأسرني وشدني...عرفته خطيبا فشدني وأسرني وإن اختلفت معه رأيا ...عرفته في الاجتماعات يسخر من معارضيه بنكته فشدتني نكته....عرض عليه بورقيبة أن يكون وزيرا في وزارته الأولى فقال له: كيف أكون وزيرا ونقابيا فيقال لي (أنت الخصم والحكم ) ؟ لما خططوا وأخرجوه من قيادة الاتحاد تهيأ للوزارة فاصطادها واصطاد خمس وزارات، عرف بوزير التعاضد ووجد التأييد والتشجيع من طرف الرئيس بورقيبة...بالتعاضد دفع الكثير من التجار للتحرر من كسوة التجارة ودفعهم ليكوّنوا مصانع فكانت له هذه المصانع الأولى صفحة مشرفة في تاريخه، نظم سوق صناعة الحلي وأعطى الصايغية حقوقهم ...من مركزه بوزارة التربية فتح للزيتونيين حاملي شهادة العالمية باب مواصلة الدراسة لنيل الإجازة وترسيم الناجحين منهم أساتذة بالتعليم الثانوي... في أواخر الستينات من القرن العشرين عرضت عليه أن يكون ضيفي في برنامج إذاعي فاعتذر أولا ثم طلب مني أن أعرض عليه بعض الأسئلة فلما سمع قال (الصفاقسية يقولو أحمد بن صالح شيحلنا ريقنا وأنت تحب تشيحلي ريقي) ووعد بلقاء في موعد آخر، ولم ألتق به إلا بعد سنوات من عودته إلى تونس، كان اللقاء في بيته البسيط صحبة الإعلامية السيدة فاطمة الكراي وابني الدكتور هشام... قضيت معه في حوار صريح ساعتين، وعلمت منه أنه كان وزيرا لخمس وزارات وجرايته جراية وزير واحد لا تتعدى المائتين والخمسين دينارا، وفي يوم أرسل له الرئيس بورقيبة مع كاتبه الخاص علاله العويتي لفافة فلما فتحها وجد فيها ستة آلاف دينار إعانة وتشجيعا فردها شاكرا كما شكر أخاه الدكتور الذي كان يتفقد عائلته ويرعاها ....هذه كلمات أستمطر بها الرحمة على روح أحمد بن صالح الذي أحببته وخالفت مواقف من سياسته....وما ذكرت في كلماتي إلا خيره اهتداء في هذا الظرف بقول رسول الله (اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم)....