للتاريخ نشأت الحركات النسوية المطالبة بما يسمى المساواة بين الجنسين في أوروبا والولايات المتحدة في السنوات ما بين 1950 و 1960 ثم تطرفت العديد منها و تسيست و مع صدور كتاب الأديبة الفرنسية الوجودية (سيمون دي بوفوار) بعنوان (الجنس الثاني) متبوعا بكتاب (مذكرات فتاة منضبطة) و كلاهما بمباركة و ترويج و تصدير "رفيقها" الفيلسوف (جون بول سارتر) في باريس بدأت تتشكل حركة نسوية ذات طابع قانوني اجتماعي للمطالبة بمساواة المرأة بالرجل في مجال رواتب الوظائف و إحلال المرأة مكانتها في المجتمع و اختيارها للمناصب العليا و رفض التمييز على أساس الجنس و نتج عن هذا التيار الفكري عمل "إصلاحي" فرنسي تمثل في التخفيض من سن الرشد من 21 سنة الى 18 سنة وفي تجنيد الفتيات كالفتيان في الخدمة العسكرية الإجبارية في كل من فرنسا و بريطانيا و ألمانيا و إيطاليا و السماح للمرأة أن تقود الطائرات و الحافلات و القطارات و أن تعمل في المصانع و في الشرطة و الحماية المدنية و سن قوانين عشوائية تقضي بفرض (كوتا أي نصيب) للنساء في المجالس البلدية و القائمات البرلمانية بالرغم عن أنوف المنتخبين! ثم تدرجت الحركة الى المسار الأيديولوجي فتطرفت و انخرطت في أحزاب يسارية لتعلن عن ميلاد حركات نسوية سميت بالنضالية موجهة ضد الرجل و نافية عنه كل امتياز حتى الطبيعي و البيولوجي و منادية بعزله عن عرش قيادة الأسرة و تدريجيا تحولت بعض هذه التيارات المتعصبة إلى الدعوة لإباحة المثلية وشرعنتها و عدم تجريم الخيانة الزوجية بل وبالزواج المثلي و الحق في تبني الأولاد لدى الأزواج المثليين و توسيع الحق في الإجهاض و أصبحت المجتمعات الغربية (المحافظة و التقليدية) مسرح عبث بكل القيم الدينية و الأخلاقية إلى درجة أنه اليوم في فرنسا سنة 2019 حسب إحصائيات رسمية فإن 54% من المواليد يولدون خارج مؤسسة الزواج التقليدي وأن 83% من رؤساء البلديات موافقون على تزويج النساء من النساء و الرجال من الرجال! ولكن الذي بدأ يحدث في صلب هذه المجتمعات الغربية هذه السنوات الأخيرة هو ظهور حركات مضادة لتلك التيارات "الثورية المتطرفة" حيث أنشأت نساء شهيرات فرنسيات حركة إسمها (جمعية أريد العودة للبيت) و صدرت عن الجمعية منشورات عديدة تؤكد أن "تشبه المرأة بالرجل...يقضي على أنوثتها و يغير طبيعتها النفسية و البيولوجية و يحيد بها عن أعظم رسالة لها وهي الأمومة و تربية الأجيال و الحفاظ على توازن المجتمع" و نظمت هذه الحركة تظاهرات مطالبة بالحق في العودة للأسرة و تبين منشورات هذه الجمعية أن تفاقم ظاهرة الطلاق في الغرب سببه الأول هو تمرد الزوجة على طبيعتها و دورها و عدم الاهتمام بزوجها وأسرتها للتفرغ للتشبه بالرجل و منازعته حقوقه الطبيعية. هذه الموجة من اليأس المتصاعد من مناهج الحركات النسوية ظهرت هذه الأيام في بريطانيا في شكل جمعية (الزوجة التقليدية) التي أسستها سيدة بريطانية معروفة من قبل بحماسها لحقوق المرأة و اسمها (ايلينا كات بيتيت) و تجمع جمعيتها المنادية بالعودة للتقاليد العائلية العريقة القائمة على الإحترام المتبادل بين الرجل و المرأة لا على المواجهة و الرغبة في تحميل المرأة نفسها مسؤوليات الرجل الجسيمة من أبوة و ما نسميه نحن في المجتمعات المسلمة بالقوامة حسب التعبير القرأني المعروف. و تقول هذه السيدة في موقع جمعيتها بأن الله خلق الذكر والأنثى عن حكمة يعلمها فقلد كلا منهما حسب طبيعة جنسه مهمات تختلف عن الثاني لكنها تكملها و من العبث رفض الأنثى لأنوثتها و الذكر لذكوريته بدعوى ضرورة المساواة التامة الشاملة التي بقيت وهما منذ بداية البشرية الى اليوم. وأسست سيدة أخرى جمعية سمتها (الأنوثة الرائعة) وهي السيدة (هيلين أندرلين) التي تدعو إلى التخلي عن التطرف النسوي وتعويضه بالتكامل والمحبة والاشتراك في تأسيس الأسرة وحماية الأطفال من الانحراف. وفكرت أنا في بعض أمثال الحركات النسوية المتطرفة في مجتمعاتنا العربية وأدركت أن بعضها تجاوز المطالبة المشروعة بالحقوق وضرورة حماية الأسرة إلى نوع من العداء للإسلام عن جهل وقد استمعت الى سيدة تونسية قدمها التلفزيون بصفتها رئيسة الإتحاد النسائي التونسي (أقدم المنظمات العربية النسوية) فقالت:" إن كفاحنا متواصل من أجل تحرير المرأة التونسية" فتعجبت الإعلامية و سألتها: "ماذا بعد كل هذه الحقوق و المرأة التونسية لديها قانون الأحوال الشخصية الأكثر تحررا في العالم العربي و العالم ربما؟؟" فردت السيدة الرئيسة بلهجة الواثقة:" يجب إلغاء الفصل 23 من مجلة الأحوال الشخصية! فتساءلت الصحفية:" ماذا في هذا الفصل؟" (وبصراحة أنا أيضا لا أعلم محتواه) فردت الرئيسة:" ينص على أن الزوج هو رئيس العائلة" ونسيت هذه السيدة أن رئاسة العائلة نعني في نظر القانون تحمل المسؤولية الشخصية أمام القضاء أي في حال ارتكاب ابنك القاصر جنحة فالرجل هو الذي يسجن وهذه الرئيسة تظن أن رئاسة العائلة "امتيازا" !!! فحتى في تأسيس شركة تجارية يطالبك القانون بتعيين مسؤول مدني يحاسب لدى القضاء! الجهل مصيبة!