عنوان هذه الورقة هو في الحقيقة مشتق من مثل عربي معروف و نصّه حرفيا " ما هكذا يا سعد تورد الإبل " ويضرب هذا المثل لمن قام بعمل شيء ما و لم يحسنه و رأيت أنّه ينطبق تماما على ما قام به سيادة رئيس الجمهورية عندما التقى أخيرا رئيس الحكومة و انهال عليه لوما و " تقويما " و احتجاجا كنتيجة للتسميات الأخيرة التي أقدم عليها رئيس الحكومة من المستشارين لدعم فريقه الحكومي و على ما يبدو تخص السيدين المنجي صفرة، الوزير السابق وتوفيق بكّار محافظ البنك المركزي الأسبق. والغريب و أنّ هذا الخطاب الموجه لرئيس الحكومة تمّ نشره للعموم ومن الوهلة الأولى يبدو لكلّ من يستمع إليه أنّه كلاما رصينا و منطقيا و شفافا و مباشرا و مسؤولا ودون أقنعة. نعم كلّ هذا جميل و كان لومه بالأساس يدور حول إعادة تسمية من عملوا ضمن النظام السابق في بعض المناصب في الدولة باعتبارهم دائما حسب رئيس الجمهورية مطلوبين للعدالة و أجرموا في حق الشعب التونسي و بالتالي لا يحقّ لهم أن يكونوا ضمن المسؤولين بهياكل الدولة مضيفا و "هم اليوم يحاولون التسلل إلى أجهزة الدولة" و واصفا إيّاهم بقوله " هؤلاء ليس لهم ضمير أو لم يكن لهم ضمير أصلا و ليست لهم الخبرة إلاّ في التحيل ولا يوجد شخص فوق القانون بما فيهم الرئاسة " ليختم بالقول " هناك إجراءات سأضطر اضطرارا لاتخاذها " كما أسلفنا كلّ ما قلته يا سيدي الرئيس جميل و مفهوم و لكن أجمل منه يا سيادة رئيس الجمهورية لو تجسّد ذلك في كل المسؤولين بهياكل الدولة و لا يقتصر ذلك فقط على تركيبة الحكومة، وهذا الوضع دفع بأكثر من سؤال يعجّ براسي كمواطن دافع للضرائب وأيضا كناخب انتخبك أنت شخصيا وأيضا كمحللّ و متابع للشأن العام ببلادي، وهذه الأسئلة كالتالي : 1/ الحديث على وجه الملأ كما ذكرت جميل و لكن لماذا لا يخص كل المسؤولين بالدولة وخاصة من تسربوا إلى مؤسساتها الدستورية و الذين على البعض منهم قضايا و في التحيّل جهارا بهارا على الدولة و البعض الآخر كما قلت أجرم في حقّ الشعب التونسي و لكنّهم اتخذوا من المؤسسات الدستورية الغطاء والمخبأ و الملجأ ليحتموا من هذه التهم...؟ أ فلم تقل أنت نفسك لا أحد فوق القانون..؟ 2/ لنعتبر جدلا و أنّ رئيس الحكومة أخطأ في اختياره لمن كما ذكرت عليهم قضايا و أجرموا في حق الشعب؟ أ ليس كان من الأجدر أن يتمّ معالجة مثل هذه الأوضاع مع رئيس الحكومة بعيدا عن الأضواء و التسجيلات و النشر؟ و بالتالي أسأل ما الهدف من كلّ هذا؟ هل هو التشهير؟ أم مصارحة الشعب في إطار الشفافية؟ أم لغاية أخرى لا نعلمها نحن سواد الشعب المغلوب على أمره؟ 3/ تأكّد و أنّ كلّ الشعب سيكون معك يا سيادة الرئيس من أجل نظافة المسؤول و لكن لا يمكن التشهير ببعض الأشخاص على وجه الملأ كما ذكرت – إذ كنّا فعلا في دولة القانون فكيف نأتي مثل ذلك الفعل في حين و أن مثل ذلك الدور لإثبات التهمة من عدمها ترجع بالأساس إلى القضاء؟ و هلاّ ترى مثلي و أنّ تلك الطريقة في التشهير خاصة بين رأسي السلطة التنفيذية يعطي أيضا مثالا سيئا على مفهوم الدولة و طريقة التسيير التي يلفها بعض التشنج؟ 4/ لماذا تدار أمور الدولة بهذه الطريقة التي تربك الدولة نفسها أي ماذا يعني الحديث في كل مرّة عن المؤامرات التي تحاك هنا و هناك ؟ فلماذا يا سيادة الرئيس لا تصارح الشعب وتفضح كلّ المناوئين للوطن على وجه الملأ كما تقول دائما و تأكد بأنّ الشعب التونسي سيكون وراءك كالرجل الواحد لأنّه أصبح حائفا من مثل هذه التصريحات الخطيرة؟ وأخيرا، و أنت سيّد العارفين يا سيادة الرئيس، إنّ البلاد تعاني على كلّ الأصعدة اقتصاديا و ماليا و اجتماعيا و أمنيا و حتّى وبائيا و صحيّا و الحكومة موكول لها كمهمة أولى و أساسية أن تخرج البلاد من هذا الوضع الذي تردّت فيه منذ هذا العقد الأخير من الزمن و عليه رجاء يا سيادة الرئيس ترك رئيس الحكومة حرّية اختيار من يراهم من الكفاءات قادرة على معاضدته و مساعدته على تحقيق هذا الهدف باعتباره المسؤول الأوّل أمامكم و أمام البرلمان على ذلك و بالتالي دعوه يعمل ثم حاسبوه على انجازاته لا على اختياره للفريق الذي سيعمل معه خاصّة إذا ما علمنا و أن الفصل 92 من دستور 2014 يمنحه هذا الحق حيث يقول في مطلعه " يختص رئيس الحكومة ب ........" إلى أن نصل إلى فقرته 4 التي تنص على " إجراء التعيينات والإعفاءات في الوظائف المدنية العليا وتضبط الوظائف المدنية العليا بقانون و يعلم رئيس الحكومة رئيس الجمهورية بالقرارات المتخذة في اطار اختصاصاته المذكورة " و من هذا المنطلق لا أدعي في العلم فلسفة إذا قلت و أنّ الهدف الأوّل و الأخير هو حلحلة الوضع الذي تعيشه البلاد و ذلك عبر الحكومة التي من حقّها حسب دستور البلاد حرية اختيار من تراه كفئا لتحقيق هذا الهدف و هو الأهم في نظري و إلاّ أصبحنا نبحث عن الشعبوية أكثر منها حلحلة الوضع نحو الأفضل و بالتالي كمواطن تهمّه مصلحة بلاده وشعبه أرى و أنّ وضع العراقيل أمام رئيس الحكومة لن تزيد البلاد إلاّ غرقا في مشاكلها بل و تعطي الفرصة للمناوئين كم ذكرت يا سيادة الرئيس من مزيد الاصطياد في الماء العكر و أخشى ما أخشاه أنّ نقع في فخ هؤلاء المناوئين المتربصين باستقرار البلاد و العباد ؟؟