أبو القاسم الشابي وافته المنية وهو في سن 25 شابا متمردا و عبقريا مجد في قصائده قيم الكبرياء والعنفوان ورفض الظلم و نحتاج اليوم كأمة مسلمة تتعرض لأقسى أصناف الاحتلال والاستغلال إلى قيم أبي القاسم هذا الفتى التونسي الذي توفي يوم 9 أكتوبر 1934 بعد أن ترك للعرب راية الثورة على الاستعمار و الظلم و القمع بيت واحد من شعره (إذا الشعب يوما أراد الحياة**فلا بد أن يستجيب القدر) اليوم و نحن في سنة 2020 يتزامن تفاقم أزمات الأمة العربيه الاسلامية مع حلول ذكرى شاعرها الملهم أبي القاسم الشابي وأنا أدعو من هذا المنبر الكريم الدول العربية ووزراء الثقافة والمجالس الوطنية للثقافة والتراث والنخبة العربية وبخاصة في تونس موطن الشاعر الأصلي ودولة قطر الرائدة في خدمة الفكر العربي المتميز الرائد الى اعداد برنامج احياء ذكرى شاعر ارادة الحياة أبي القاسم الشابي الذي رددت الجماهير العربية على مدى مراحل مقاومتها للاستعمار وتحريرها حتى أيام ربيع الحرية فيها أبيات قصيدته الخالدة إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر ولد الشاعر في مدينة توزر على مشارف الصحراء التونسية وفي قلب الواحات الرائعة في 24 فيفري من سنة 1909 منذ قرن وعقد ووالده هو الشيخ الفاضل القاضي محمد الشابي الذي تلقى تعليمه بالقاهرة في الجامع الأزهر وعاد الى تونس فتولى القضاء في عدد من المدن والقرى التونسية الى وفاته سنة 1929 وللشاعر شقيقان هما محمد الأمين الذي تولى وزارة التربية والتعليم في أول حكومة تونسية بعد الاستقلال وعبدالحميد الشابي. ثم وافاه الأجل رحمه الله يوم 9 أكتوبر 1934 وهو في مطلع الشباب الغض لم يتجاوز الخامسة والعشرين. وقد أسعدني الله سبحانه بإتاحة فرص فريدة لي شخصيا لن أنساها للتعمق في أدب الشابي المتمرد والاطلاع على رسائله وبعض قصائده بخط يده رحمه الله، وهي منحة من رب العالمين حيث كنت في مطلع الشباب أبحث عن نفس ثائر باللغة العربية الرائعة يتلاءم مع ما يشعر به جيلي في ذلك العهد من نزوع لقيم الانسانية بالفطرة، فكان الشابي هو الجواب عن أسئلتنا الحائرة والمرفأ المثالي لمراكبنا التائهة. ففي المدرسة الثانوية حين كنت يافعا مغرما بالأدب وأحاول كتابة نصوص شعرية، كان أستاذ الأدب العربي عندنا بالقيروان هو الأديب الشيخ محمد الحليوي رحمة الله عليه وكان من أقرب الأصدقاء لشاعرنا العبقري ولد مثله سنة 1909 وتعرف الى الشابي من خلال النوادي الثقافية التي كان الرفيقان يرتادانها بعاصمة تونس وترسخت الصداقة بينهما الى درجة أن الشابي كان يراسل الحليوي أسبوعيا بالبريد وفي عهد لاحق قام الحليوي بنشر كتاب شديد الأهمية وهو (رسائل الشابي) يعتبر مرجعا ثريا لاكتشاف نفسية الشاعر وعصره وهمومه ومن أفضال الأستاذ الحليوي علي انه سمح لي بارتياد مكتبته الغنية بأمهات التراث وبالرسائل الأصلية بخط أبي القاسم بحبره البنفسجي الجميل، وكانت بالنسبة لي هذه القراءات دخولا بعد استئذان الى عالم حميمي خاص لشاعرنا العبقري وحواره التلقائي مع رفيق دربه الوفي محمد الحليوي. أما الفرصة الثانية فهي اغتنامي للقاءات المنعشة مع شيخنا الكبير وأستاذنا رحمة الله عليه المختار بن محمود في الستينات من القرن الماضي حين كنا نرتاد جمعية قدماء الصادقية في 13 نهج دار الجلد بالمدينة العتيقة تونس وهي أيضا مقر مجلة الفكر المجيدة، فاستمتع بأحاديث الشيخ المختار عن بدايات أبي القاسم الشابي لأن الشيخ المختار كان نشر له أولى قصائده في مجلته (العالم الأدبي) ويحتفظ بذكريات كنت أنا وأبناء جيلي نشعر أننا مؤتمنون عليها لنرويها الى الأجيال العربية الصاعدة التي هي مطالبة بصيانة هذا الأدب الخالد واليوم نحيي ذكرى وفاة هذا الشاعر العبقري الذي كان قلبا نابضا بالثورة على الاستعمار والاستكانة والرضا بالدون، من أجل احياء قيم خصها أبوالقاسم بالتمجيد تلك القيم العظمى التي نحتاجها اليوم كأمة مسلمة تتعرض لأقسى أصناف الاحتلال والاستغلال والحقد والعنصرية والاذلال. وهي قيم نجدها مبثوثة في الأبيات التي لا يعرفها عموم الناس من نفس قصيدة (ارادة الحياة) حيث يقول الشاعر: ومن لم يعانقه شوق الحياة تبخر في جوها واندثر فويل لمن لم تشقه الحياة من صفعة العدم المنتصر إذا ما طمحت إلى غاية ركبت المنى ونسيت الحذر ومن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر وقالت لي الأرض لما تساءلت يا أم هل تكرهين البشر؟ "أبارك في الناس أهل الطموح ومن يستلذ ركوب الخطر" وألعن من لا يماشي الزمان ويقنع بالعيش بين الحفر هو الكون حي يحب الحياة ويحتقر الميت مهما كبر فلا الأفق يحضن ميت الطيور ولا النحل يلثم ميت الزهر"