ما زالت رسالة 100 شخصية من قيادات حركة النهضة التي بعثوا بها إلى الشيخ راشد الغنوشي تلقى الاهتمام وتثير الجدل داخل الحركة وخارجها وهي رسالة كان قد طالب فيها أصحابها بضرورة أن تحترم الحركة القواعد الديمقراطية وتحافظ على مبدأ حق أبناء النهضة في التداول على رئاسة حركتهم و ضرورة أن يعلن رئيس الحركة عدم ترشحه لعهدة ثالثة قبل انعقاد المؤتمر المقبل وأن يقع التخلي عن فكرة تنقيح الفصل 31 من القانون الأساسي المنظم لها في اتجاه الذي يسمح لرئيس الحركة من الترشح لعهدة ثالثة بعد أن انتهت نيابته الثانية القانونية. وبعيدا عن الانحياز إلى أحد الجانبين المؤيد لبقاء راشد الغنوشي على رأس الحركة أو الرافض لتجديد القيادة وتجنبا لاتخاذ موقف قد يحسب على أنه مساندا لأحد المعسكرين فإن الأفيد من كل ذلك هو إبداء جملة من الملاحظات حول كل هذا النقاش الذي يدور حول المسألة التي سماها محمد مختار الشنقيطي بإشكالية أيهما أولى خيارالمؤسسية البيروقراطية أم خيار الزعامة الكاريزمية؟ الملاحظة الأولى هو أن مثل هذا المأزق الذي وقعت فيه حركة النهضة بين الإبقاء على زعيمها التاريخي رئيسا للحركة وبين الانصياع إلى احترام القانون الديمقراطي الذي تم وضعه لإدارة الحركة والقاضي بعدم جواز تأبيد القيادة قد عرفته كل الحركات السياسية وكل الجماعات الدينية بعد مضي سنوات على نشأتها وتأسيسها حيث تجد هذه الحركات نفسها بعد فترة من الزمن أمان خيار والولاء لجيل التأسيس وخيار المواصلة والحفاظ على لحمة الجماعة من دون التقيد بشخص واحد أو الاحتكام إلى رمز معين. الملاحظة الثانية وهي أن عملية الحسم في هذا الجدل لا يمكن أن ينظر إليه من زاوية الولاء المطلق للقائد المؤسس وبالتالي الموافقة على بقاء الشيخ راشد الغنوشي رئيسا خارج ما يمنحه له القانون ولا من زاوية احترام القواعد الاخلاقية التي تعاهد عليها الجميع وقرروا الاحتكام إليها بما يعني أن الجيل المؤسس لا يمكن ضرورة أن يواصل القيادة، وهذا يعني كذلك أن المأزق الذي تعيشه حركة النهضة بعد نشر رسالة 100 قيادي نهضاوي ليس مأزق الديمقراطية التي عليها أن تحترم داخل الحركة حتى تعطي المثال والقدرة على احترام الديمقراطية في الداخل قبل احترامها في الخارج وعند ممارسة الحكم وإنما المسألة يجب أن ينظر إليها من زاوية الربح والخسارة في تخلي راشد الغنوشي عن الرئاسة وتقدير الآثار السلبية والإيجابية للخيارين على مكاسب الحركة النضالية والتاريخية. الملاحظة الثالثة تتعلق بضرورة أن يكون الحسم في هذا الجدل المفصلي في مسألة الرئاسة ضمن القاعدة الموضوعية التي يحتاج إليها النهضويون في اختيار إحدى الخيارين إما الإبقاء على الشيخ في رئاسة الحركة وإما تجديد القيادة والرئاسة والتي تركز على الأداء وتقييم مردود الرئيس قبل كل شيء والوقوف عند السؤال المتعلق بمتطلبات المرحلة هل تحتاج أن يواصل الرئيس أم تتطلب أن نغيره وذلك بقطع النظر عن استنفاذ حقه القانوني في مواصلة القيادة من عدمه. الملاحظة الرابعة تخص مسألة في غاية الأهمية وهي الأخذ في الاعتبار عند النظر في مسألة تجديد الثقة في الشيخ راشد الغنوشي على رأس الحركة أو دعوته إلى الالتزام بما منحه له النظام الداخلي من عهدتين فقط ، النظر إلى تداعيات أي اختيار على لحمة الحركة وبقائها موحدة وغير منشطرة علما و أن الخلاف الذي بدا حادا و مزعجا للطرف المؤيد لعملية الترشح للمرة الثالثة قد يفضي إلى احتمال في صورة تمسك كل طرف بموقفه حصول تشقق في جسم الحركة وبالتالي فقدانها لجزء من قاعدتها الاجتماعية التي لا تقبل بالانقسام كما أن الحسم في الموضوع الخيارات يحتاج إلى مراعاة تداعيات الاختيار على كامل المسار الديمقراطي الذي تعيش على وقعه البلاد في علاقة بحاجة الديمقراطية التونسية إلى قوة سياسية وازنة تساعد على نجاح المرحلة تكون رافعة لها في وجه الثورة المضادة وجماعات الجذب إلى الوراء وكل الذين يحاولون إفشال مسار الثورة لذا فإن مسألة الحسم في مطلب رسالة 100 قيادي تتطلب الأخذ في الاعتبار كل هذه المعطيات المتعلقة بتاريخية الحركة ورمزيتها في المشهد الحزبي والسياسي في البلاد وفي علاقة بالمحافظة على كل الإرث النضالي الذي تحقق وحفظ كل الجهد الذي بذل و التضحيات التي قدمت على مدار عقود من الزمن حتى وصلت الحركة اليوم لأن تكون قوة معتبرة في الحياة السياسية في تونس. الملاحظة الخامسة تتعلق بمسألة القيم والمبادئ والأخلاق التي تربى عليها جيل الحركة وناضلت من أجلها أجيال من الإسلاميين في علاقة بمسألة إدارة الحكم والسلطة وبمطلب التداول على القيادة والتسيير ورفض التغول والتأبيد وهذا يعني أنه على الحركة أن تحسم في مطلب أصحاب الرسالة قبل المؤتمر القادم وأن تنهي الخلاف المدمر منذ الآن على اعتبار أن المطلوب اليوم هو عدم ترك الخلاف إلى المؤتمر ليحسم فيه تحت مقولة المؤتمر سيد نفسه وإنما من الضروري أن يحسم الجدل قبل هذا الموعد بين نهاية عهدة الغنوشي أو مواصلته في الرئاسة وفي هذا الحسم جانب أخلاقي ومبدئي وهو أن الحركة كانت باستمرار وخلال كل مسيرتها النضالية ضد احتكار السلطة وضد الرئاسة مدى الحياة وتعارض في التغول في ممارسة الحكم واليوم تجد نفسها في نفس المأزق الذي حصل لحزب الرئيس بورقيبة حينما طرحت مسألة الرئاسة مدى الحياة. اليوم أمام حركة النهضة وهي تعيش أزمة رئاسة الحركة خيارات ثلاث : إما دعوة الشيح راشد الغنوشي أن يتنحى عن القيادة بعد أن استنفذ حقه في الترشح وبذلك نكون أمام خيار الطلاق بإحسان وإما الاتفاق على مواصلته لرئاسة الحركة بعد توافق قد يحصل بين الجانب المؤيد والمعارض وفي هذه الوضعية نكون أمام الامساك بالمعروف لاعتبارات شتى وإما اللجوء إلى الخيار الثالث و الأسلم للجميع وهو أن يتنحى الشيخ من رئاسة الحركة ويتحول إلى زعيم روحي وقائد مرجعي وبذلك لا يخسر رمزيته ولا يفقد تأثيره وإشعاعه وفي هذه الوضعية نكون أمام خيار ثالث قد استجاب لكل المعطيات والحجج التي يتمسك بها كل طرف.