قرانا وتعلمنا وفهمنا منذ زمان ونحن اطفال صغار ان الديمقراطية نظام سياسي نشأ في البلاد اليونانية وان مضمونه ان ينتخب الناس من يحكمونهم عن طريق تصويت حر نزيه شفاف تجمع فيه اصوات الناخبين في صناديق مغلقة مختومة ثم تفتح في مدة معلومة ثم يعلن عن نتائجها النهائية ثم ينصب الغالبون في مناصبهم فيرضى المغلوبون ويذعنون لغلبة وحكم الأغلبية وتعود الحياة بعد ذلك الى حالتها الطبيعية العادية... ولكن لم نسمع ولم نعلم ابدا ان المواطنين في البلدان الديمقراطية يتسلحون بالأسلحة النارية تحسبا لما سيقع من أحوال وأوضاع مخيفة سلبية بعد الانتخابات الرئاسية او التشريعية ...ولكنني قد شككت في كل هذه المعلومات وهذه المعارف السياسية بعد ان فوجئت مفاجاة مدوية قوية لما سمعت ولما علمت ان الأمريكيين قد تهافتوا وتكاثروا واصطفوا وتزاحموا امام دكاكين باعة الأسلحة النارية لاقتناء شيء منها بصفة عاجلة استباقية فورية مستعدين لما سيحدث من مفاجآت غير مرضية بعد صدور نتائج انتخاباتهم الرئاسية... فهل يعقل يا عباد الله ان امريكا التي تفتخر بين البلدان منذ زمان في كل المحافل وفي كل التجمعات الدولية بانها بلاد الثقافة والوعي و الديمقراطية وانها تسعى الى نشرهذه المزايا في كل البلدان المحرومة منها والتي تخضع لنظام السلطة الفردية الدكتاتورية الاستبدادية اقول واعيد واسال هل يعقل يا عباد الله ان يستعد شعب امريكا العريقة في مجال الديمقراطية وفي مبادئ واصول الحياة المدنية بالأسلحة النارية تحسبا لما سيقع اثر هذه الانتخابات الرئاسية من احداث وخيمة دموية؟ وهل ما زال العقلاء بعد ما سمعوه من هذه الاستعدادات النارية يثقون في نجاعة وفي فائدة المنظومة الديمقراطية؟ انني ساكتفي للاجابة عن هذه الأسئلة بالتذكير بما قاله شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء ابي العلاء المعري رحمه الله الذي عرى منذ زمان حقيقة المذاهب والأنظمة السياسية مهما كان اسمها ومهما تشكلت ومهما تلونت في كل الأشكال وفي كل الألوان كيفما تريد وكيفما تشاء انما هذه المذاهب اسباب لجلب الدنيا الى الرؤساء اما لو كان المعري حيا اليوم ويمشي بين الناس وسمع بديمقراطية الأمريكان وانتخاباتهم الرئاسية المسبوقة بتخزين وجمع وتكديس اسلحة النيران لقال بصادق القول وبفصيح اللسان وقلبه مفعم بالحسرات والأحزان(انما ديمقراطيتكم كذب وبهتان ولكم خدعتم بها غيركم من البلدان)