المثل عندنا يقول: تجي الضحكة على رأس الميت.. والناس يعرفون صحة هذا المثل ولعلهم قد جرّبوه فعلا.. فصدقوا ما جاء فيه.. والمواطن التونسي.. لا يمكنه أن يستغني عن الضحكة حتى ولو كانت الأحوال أو الظروف لا تسمح بذلك.. بل إنه غالبا ما يصنعها ويخلقها من العدم.. وقد يهرب إليها.. عندما تكثر همومه.. فيعتبرها المتنفس.. والملجأ الذي يساعده على تواصل حياته.. برغم مرارتها.. في هذا الخصوص.. قد ظللنا وعلى مدى أعوام طويلة نتبادل بعض النكات.. المضحكة.. وكنا نفعل ذلك تحت حس مس.. حتى لا تضبطنا عين الرقيب.. لكننا قد كنا نفعلها.. وكنا نضحك ملئ أشداقنا أحيانا.. رغم إدراكنا أنه ضحك الغلبة والهم (حاشاكم).. ومما كنا نروي في ذلك الوقت تلك النكتة التي تقول أن واحدا من أعوان الأمن.. قد باشر عمله.. حديثا.. وكانت مهمته تتمثل في مراقبة أحد الطرقات.. صاحبنا.. قد شاهد سيارة من نوع الهاي.. تمر بجانبه.. ولاحظ أن سائقها قد حرق الأضواء.. فسارع بإيقافه.. في تلك الأثناء قد كان عرفه المباشر يراقبه.. فسارع بمناداته.. وهو يصيح فيه: آش عمتلك هلكتنا.. هلكتنا.. وإذ تعجب العون من موقف عرفه فلقد سأله بقوله: آش عمتلك؟ قال العرف: ما عرفتوش هذاكة اشكون؟ توقف فيه.. فقال العون: لا، عندها صاح عرفه وقد شاح ريقه: هذاكة نسيب بلحسن الطرابلسي (وهو يقصد زين العابدين بن علي).. ومن المواقف المضحكة التي صادفتني في العهد البائد.. هذا الموقف الذي عشته بصحبة صديق لي يدعى: شكري البلطي.. كان يعمل موظفا بوزارة التجهيز والإسكان.. هذا الصديق.. وعندما زرته مرة بمكتبه.. تناول من درجه صورة كبيرة لشخص أحول.. وأطلعني عليها.. ولما تثبت فيها اكتشفت أن شكري قد كتب عليها بالبنط الكبير: هذا مواطن تونسي بعد التحول.. (هو بيناتنا فلقد اكتشفت بعد ذلك صدق حسّ صديقي شكري.. وتأكدت من هذا.. بعد أن صار ما صار.. وفهمنا أن المواطن التونسي.. قد حوّلوه فعلا.. إلى درجة أنه قد أصبح يشاهد خياله.. ويخافه.. ولعل هذا ما فسّر صمته.. الذي تواصل مدة ربع قرن). هذا البعض مما كان يحصل عندنا سابقا.. والمتعلق بعلاقاتنا بالضحكة.. والتي لم ينجح أكبر دكتاتور في العالم من سلبها منا.. بعد أن نجح في سلب كل ما عندنا.. وكل خيرنا.. اليوم.. وقد تغيرت أحوالنا بعد أن خلصنا المولى سبحانه وتعالى من معاناتنا السابقة.. وفي خضم ما عشناه طيلة الأيام الفارطة من «غصرات» ومن إرهاصات.. ومن مظاهرات.. فلقد ظلت الضحكة.. تحتل مكانتها في حياتنا.. وظللنا نلقى الوقت اللازم.. للعودة إليها.. برغم ما تعرضنا له.. أكثر من هذا.. فلعل ما عشناه قد أطلق بداخلنا سيلا هائلا من الحكايات الطريفة.. والمضحكةوالتي أصبحنا نرددها.. في الشارع وبالمقاهي بدون رقيب.. وإذ تتعدد هذه الحكايات والنكات.. فسوف أحاول التوقف عند بعضها.. علني أسهم بواسطة ذلك في تغيير أجوائنا.. ومما يردده الناس هذه الأيام.. في هذا الشأن ما يلي: قيل أن سائق الحافلة التي أقلت جماعة الطرابلسية من المطار إلي ثكنة العوينة بعد أن تمّ إيقافهم.. قد افتقد محموله.. يوم الواقعة.. ولقد اكتشف ذلك بعد أن أوصل الجماعة.. ولقد قيل أن الرئيس الهارب قد ظل يرفض انعقاد مجلس الوزراء أيام الاثنين.. حتى لا يغضب زوجته.. التي ظلت ترفض العمل يوم الاثنين في إطار وفائها لتقاليد مهنتها الأصلية (حجّامة).. وقال بعض المتابعين لما يحدث.. وخاصة للتحركات الأخيرة لبعض أفراد عائلة الشرّ.. أن بلحسن الطرابلسي قد يكون عبّر عن رغبته في الالتحاق بأخته بالسعودية.. لكن صهره بن علي قد رفض ذلك بشدّة.. حتى لا يحرجه مع السلط هناك.. إذ قد يعرض عليهم رغبته واستعداده لشراء الكعبة المشرفة.. وما جاورها.. وقد يستغل وجود صهره ليطلب شراءها بالمليم الرمزي (مثلما تعود على فعل ذلك سابقا).. ومن الحكايات الطريفة التي يتداولها الناس هذه الأيام للتندر ما يلي: تخاصم شاب مع والده.. الذي أطرده من المنزل.. وقبل أن يغادره.. ومن أجل الانتقام من والده فلقد كتب بالبنط العريض على جداره: هذا منزل تابع للطرابلسية. في تونس.. كانت توجد عندنا الخيرات السبعة.. إلا أن الجماعة قد هربوا بالخيرات وتركوا لنا السبعة. يقول البعض أن عمليات التصدير في تونس لم تتوقف والدليل أننا اليوم ننجح في تصدير ثورتنا إلى الشعوب العربية. عندما انتفض رجال الأمن.. من أجل لفت الأنظار لوضعياتهم ومن أجل التأكيد للشعب أنهم يقفون إلى جانبه ويدافعون عنه.. وبأنهم براء من تهمة الاعتداء على أفراده وضربهم.. كان مواطن عادي يتابع حركة رجال الأمن بالشارع الرئيسي للعاصمة.. وبعد أن استمع إلى أحدهم وهو يخطب في الناس..ويشرح لهم ما يجب شرحه.. اقترب منه وهمس في أذنه بما يلي: آش قولك.. توه.. لو نفشخوكم.. مثلما فعلتم معنا هاك النهار.. وأختتمها بحكاية الأربعين سارقا وزميمهم والتي أصبح الناس يرددونها.. ويطلقونها على الجماعة.. تبقى الإشارة إلى أن المتابعين والملاحظين يقولون في هذا الخصوص.. أن الزميم ويقصدون رئيس العصابة.. قد عرفناه.. إلا أنه قد يلزمنا جهد كبير من أجل التعرف على الأربعين سارقا.. والذين قد يكون عددهم.. تضاعف.. في ربوعنا.. هؤلاء.. لم نكشف منهم إلا القليل.. أما البقية.. فمازالوا يعيشون بيننا.. مبجلين مكرمين.. في انتظار محاسبة.. لعلها.. قد لا تأتي.. رغم أننا نتمنى أن تأتي.