أبو مازن حتى لا تُلام وزارة الشؤون الدينية عن الاوامر والمناشير الصادرة عنها منذ أشهر والتي ركزت حسب المتابع للأحداث على محاربة التطرف "في عقر داره" فعمدت الى غلق بعض المساجد الغير مرخصة و الى عزل بعض الأئمة و أخيرا منع صلاة العيد في المصلى. وجب التطرق الى كنه الشؤون الدينية عند النمط التونسي الذي تتعالى الأصوات مطالبة باتباعه والسير على منواله. اما العارفون بالدين من مسؤولين وأئمة يحسبون على العهد القديم فيلخصون هذا الأمر في بيت شهير لابن عاشر رحمه الله وأرضاه حين قال : في عقد الأشعري وفقه مالك**وفي طريقة الجنيد السالك. وأما المتطفلون والعوام و كل من يحشر غباءه و جهله بالدين الحنيف ويتكلم بعالي الأصوات عن الاسلام التونسي فهو متيم بطريقة العهدين القديمين في تناول شؤون الدين في البلاد حيث طغت العلمنة و اختصر الاسلام في طقوس و أعياد و بعض الترانيم عند زيارة الأضرحة والتمسح بالسناجق وغيرها من الأعمال التي اختلط فيها المستحب بالمكروه والحلال بالحرام. لقد نسي هؤلاء و اولئك من أغلق التعليم الزيتوني و بدد الأوقاف التي كانت تسترزق منها العلوم الشرعية "التونسية" فأُهملت سير الأعلام كالشيخ "محمد الطاهر بن عاشور" والشيخ "محمد الشاذلي النيفر" و الشيخ عبد العزيز جعيط" ومن قبلهم الشيخ "سالم بوحاجب" و الشيخ "عمر بن الشيخ" وغيرهم كثير ممن بارك الله فيهم ولهم فأفادوا هذه البلاد وحثوا الى التقرب الى الله بمنهاج علمي سليم بعيدا عن التطرف والمغالاة فتناولوا مشاغل المسلمين في العقيدة والفقه والعبادة والمعاملات بكل تدبر وروية وتثبيت فيما روي عن المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. هؤلاء تونسيون كما نريد وتريدون يبينون ويوضحون بفكر معاصر و متبصر لمستقبل الاسلام في هذه الأرض المباركة لا سيما بعد ان عاينوا الاستعمار والغزو الثقافي الفرنسي و مسايرة النخبة المثقفة لهذا التيار. لقد تركوا لنا كتبا عديدة لا يتناولها الا اهل الاختصاص فيذكروننا بكل ما رأوه حجة لهم و يغضون الطرف على كل من يبين تعصبهم و انتهاجهم النهج الصوفي المبالغ فيه. لقد تعطش التونسيون الى دينهم لما غُيّب بارادة سياسية منذ نشأة دولة الاستقلال فهللت أغلب الطرق الصوفية لذلك كما فعل حديثا حزب النور المصري مع سلط الانقلاب. لقد وجدت متنفسا لتنشر فكرها و طقوس تقربها الى الله فتولت الدولة رعاية زوايها فأضحت الممثل الواقعي للدين الاسلامي لعقود من الزمن. لن يضيف لك النمط كلاما في الدين غير أن الاسلام دين التسامح والرحمة وقد يحدثك عن ابتهالات بعد الآذان او تلاوة شيخنا البراق رحمه الله قبله. سيحدثك أيضا عن الأسعار في رمضان و سعر كبش العيد وكم اشترى من الزقوقو لإعداد عصيدة المولد النبوي الشريف. لن يجيبك النمط لو سألته عن غير هذا بل قد ينكره ويعتبره تزمتا، فلا ترغيب في صلاة في المسجد غير الجمعة و لا و لا حجاب ولا اعتكاف و لا أمر بمعروف و لا نهي عن منكر و لا صدقة للفقراء المحرومين سوى تلك التي تتم امام الكاميرا وتنقل في الأخبار. لقد عاين أهل البلاد الشؤون الدينية منذ ستينات القرن الماضي فلاحظوا انها موسمية الى أبعد الحدود وانها ناكرة لكل علم اصدرته الزيتونة "التونسية" فلا يروى عن علمائها ولا يستظهر بآرائهم بل يرددون كلاما لو شرحوه لعموم الناس لبان التونسي الصرف من ذاك الموصوف بالتقليد. ان ترديد متن ابن عاشر "الأندلسي" الوافد من المغرب و استعظام طريقة الجنيد السالك "النهاوندي" و التقيد بعقد الأشعري "البصري" رحمهم الله جميعا وقدس ثراهم خير لتونس ولأهلها، ولكن هؤلاء عاشوا في بيئات مختلفة و فارقونا منذ مئات السنين فكيف يُصرف النظر عن ابداعات علمائنا المعاصرين مشائخ الزيتونة ونغيبهم في حديثنا بالدين الاسلامي وهم الأعلام الذين اشتهروا في غير تونس بعد ان ألجمهم الاستعمار و الدولة الفتية ولكن أقلامهم خطّت لنا الدرر و يسّرت لنا امر التعبد والتقرب الى الله دون تزمت ولا تفريط فبينوا الفرائض والسنن وأن صلاة العيد يمكن لها أن تقام في المصلى كما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم و تحدثوا عن التسامح والاختلاف فاقنعوا وأبدعوا و اخبرونا عن واجب حفظ وحدة الامة و نهوا عن الدعوة الى تقسيمها و تفتيتها. رحم الله مشائخ الزيتونة الكرام الذين خبروا عن قريب فهم التونسي لدينه فساندوه بالرأي المعتمد على كلام الله وسنة رسوله و صححوا اخطاءه المتوارثة مما سلف من الازمان كذبح النصب و غيرها من التقاليد القديمة.